المثبت مقدم على النافي، هذه ليست قاعدة مطردة؛ لأنه إذا كان مع النافي زيادة علم خفيت على المثبت مع أن الأصل أن المثبت معه زيادة العلم، فإذا كان مع النافي أيضاً زيادة على ما عند المثبت بأن يكون علم ما عند المثبت من زيادة، وعنده علم بنفيها، فإنه يقدم النافي، يعني لو أن شخصاً، أو إماماً من الأئمة، أو من علماء الجرح جرح راوياً بأنه قتل فلاناً، نعم هذا مثبت، والثاني وثقه؛ لأنه لم يقتل فلاناً، نقول: المثبت مقدم على النافي، لكن إذا قال المثبت: قتله يوم الخميس، وقال النافي: صلى بجوار المدعى قتله يوم الجمعة، صار معه زيادة أكثر من المثبت، فهذه القاعدة نعم يحكم بها أهل العلم، لكنها ليست مطردة.
الإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن الخبر موقوف على ابن عمر، والإمام البخاري حكم برفعها، الأئمة معروف قولهم في مثل هذا الاختلاف بين الرفع والوقف، منهم من يحكم للرفع مطلقاً، ويقول: إنها زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ويطلقون هذا القول، وهذا معروف في قواعد المتأخرين، ومنهم من يحكم بالوقف لأنه المتيقن، والرفع مشكوك فيه؛ والصواب عند أهل العلم أنه لا هذا ولا هذا، لا يحكم بحكم مطرد، وإنما العمل في مثل هذا بالقرائن، لكن ليس هذا لآحاد المتعلمين، إنما هو للمتمكنين، الذين يعرفون القرائن، ويعرفون كيف يحكمون بها.
المقصود أن هذا الخلاف من هذين الإمامين الترجيح بالنسبة لطالب العلم في مثل هذا دونه خرط القتاد؛ لأن طالب العلم ما عنده أكثر من أن البخاري أثبت الرفع والإمام أحمد نفى، أثبت الوقف، ليس عنده أكثر من هذا، طالب العلم، فالحنبلي المقتدي بالإمام أحمد المقلد يقول أهل العلم: يلزمه قبول قوله، والذي يتبع الأئمة ولديه حظ من النظر يستطيع أن يرجع بين الأقوال، ليس بملزم بقول أحمد، ولا بقول غيره، إنما يعمل بما يترجح عنده إذا كان أهلاً للنظر.
في مثل هذا الخلاف هل نستطيع أن ننصب الخلاف هنا كسائر المسائل بين هذين الإمامين، أو نقول: إن المسألة محسومة؟ هذه مسألة تعرضنا لها مراراً، يعني إذا وجد خلاف بين البخاري وأحمد، خلاف بين البخاري وأبي حاتم، خلاف بين مسلم وأبي زرعة وهكذا.