الحافظ ابن حجر -رحمه الله- حمل رواية:"لا يذكرون" على لا يجهرون التي تليها، أو كانوا يسرون، فحمل قوله:"لا يذكرون" جهراً، والذي يسر به كأنه غير مذكور بالنسبة للسامع، السامع يسمع ما يسر به، فكأنه قال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها جهراً، وأما سراً فلم يتعرض له الراوي، وحينئذٍ هذه الرواية مستقيمة مع الروايات الأخرى، فيمكن التوفيق بين هذه الرواية التي أعلت، كما يقول المؤلف: بلا حجة، ويوفق بينها وبين الروايات الأخرى بأن النفي هنا متجه إلى عدم الجهر، لا يذكرون، لا يجهرون، كانوا يسرون، وهذا واضح بالنسبة للذي لا يسمع يصح النفي عنده، في الصلاة السرية التي لا تسمع، لا يسمع شيء من الإمام لو نفى أحد أنه ما قرأ باعتبار أنه ما سمع، ما قرأ، لو قال واحد: إن الإمام قرأ بعد الفاتحة، الفاتحة متقررة بالنص، لا يستطيع أحد أن ينفي القراءة مع أنها ثبتت بالنص، ولو كانت سراً نعم يعني لو قال: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الظهر ما قرأ الفاتحة، ولله ما سمعناه، إذاً ما قرأ الفاتحة، يتجه هذا؟ ما يتجه؛ لأنه قال:((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) لكن لو ادعى مدع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو الإمام بعد الفاتحة قرأ سورة معينة وهو ما سمعها صح نفي هذا الإثبات، لو قال قائل ممن لم يسمع ولا كلمة من الإمام: إن الإمام قرأ سورة والضحى بعد الفاتحة، فقال الذي بجواره: أبداً ما قرأها، بناءً على أنه ما سمع شيء، يتجه النفي حينئذٍ، ولذا جمع ابن حجر بين قوله:"لا يذكرون" وبين الأحاديث التي تثبت البسملة أنهم لا يجهرون، وما لا يجهر به مما لا يسمع يمكن نفيه، ومع تأويل عدم الجهر، فكانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً.
"وفي لفظ لأحمد والنسائي وابن خزيمة والدارقطني: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" وهذه رواية مفسرة يتعين المصير إليها في مثل هذا الموطن الذي فيه النصوص المتعارضة.