أولاً: من لفظ العصر فقد ذكر محمد بن الحسن في موطئه أن العصر إنما سميت عصر لأنها تعتصر، ويضيق عليها الوقت، وإذا قلنا: إنها من مصير ظل الشيء مثله صار وقتها طويلاً، وأيضاً حديث:((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من العصر إلى غروب الشمس -إلى آخر النهار- بدينارين)) فاليهود مثلهم من عمل إلى نصف النهار، والنصارى مثلهم مثل من عمل في وقت الظهر، والمسلمون مثلهم مثل من عمل من وقت العصر إلى غروب الشمس، فاحتج اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، يعني اليهود من خلال هذا الحديث حجتهم ظاهرة؛ لأن الوقت من أول النهار إلى زوال الشمس أطول من وقت العصر بلا إشكال، لكن النصارى حينما احتجوا وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، دل على أن وقت صلاة الظهر ينبغي أن يكون أطول من وقت صلاة العصر، واستدلوا بهذا الخبر المجمل، وتركوا المفصلات، علماً بأن الخبر المجمل لا دليل فيه من وجهين:
الأول: أن من أهل العلم من قال: إنهم احتجوا مجتمعين، فوقت اليهود مع وقت النصارى أطول من وقت المسلمين، هم احتجوا مجتمعين صحيح وإلا ما هو صحيح؟ هذه الإجابة واضحة وإلا ما هي واضحة؟ واضحة.
الأمر الثاني: أنه لو كان الاحتجاج على جهة الانفراد احتجاج اليهود لا إشكال فيه، احتجاج النصارى لو نظرنا إلى وقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله، ووقت العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس صار وقت الظهر أطول في كل زمان ومكان، أطول، وبرهان ذلك الواقع، يعني لو نظرنا إلى وقت دخول وقت الظهر الآن يدخل وقت الظهر من اثني عشر وكم؟ وخمسة وعشرين، نعم، اثنا عشر وثمانية وعشرين إلى ثلاث وأربعة وأربعين، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق، من اثنا عشر ونصف إلى أربع إلا ربع كم؟ ثلاث ساعات وربع، هذا وقت الظهر، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق كم؟