ابن القيم -رحمه الله- حاول أن يوفق بين الحديثين، فقال: إن أول الحديث ما فيه إشكال، ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) الإشكال في آخره؛ لأنه مضاد لأوله، ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) لأن البعير إذا برك وضع يديه قبل ركبتيه، هذا لا ينازع فيه أحد إلا شخص ما رأى البعير، البعير إذا برك يقدم أمامه على خلفه، والتصوير مطابق لمن يضع يديه قبل ركبتيه في الصورة، ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال: انقلب على الراوي، وإلا فالأصل:((وليضع ركبتيه قبل يديه)) والمقلوب نوع من أنواع علوم الحديث معروف، ووقع القلب في بعض الأحاديث، وإن أمكن التوجيه فالقلب خلاف الأصل؛ لأن الراوي إما أن يحكم بثقته وضبطه، أو يحكم بضعفه، وعدم الاحتجاج به، إذا حكم بضعفه فالتضعيف من قبله، ما في إشكال، ما نحتاج إلى أن نقول: مقلوب، نقول: الخبر ضعيف؛ لأن فيه فلان وهو ضعيف، لكن العبرة فيما إذا كان الراوي ثقة، كيف نوهم هذا الراوي الثقة مع إمكان حمله على وجه يصح؟
يعني كتب علوم الحديث تمثل للمقلوب بما خرجه مسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الحديث في الصحيحين: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) وهذا الأصل أن الإنفاق باليمين، وقالوا: حديث مسلم مقلوب، كيف يتصدق بشماله ويخفي هذه الصدقة عن يمينه؟ نقول: ممكن، أولاً: لأن هذا الرجل كثير الإنفاق، ينفق أحياناً عن يمينه، وأحياناً عن شماله، وأحياناً من خلفه، وأحياناً من أمامه، مبالغة في الإخفاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وغيره ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه.
والإخفاء قد يتطلب الإنفاق بالشمال بحيث يكون عنده عن يمينه أناس جلوس، ويأتيه فقير من جهة الشمال، فيعطيه بشماله بحيث لا يعلم من هو على يمينه، فإذا أمكن رفع توهيم الراوي الثقة تعين.