على كل حال هذه ملكات، وهذه غرائز، منها ما هو ثابت، ومنها ما هو مكتسب، منها ما لا يقبل الزيادة، ومنها ما يقبل، ولكل غريزة جهتان، جهة ثابتة، وجهة مكتسبة، الثابت هذا، هذا لا يزيد، وهو قابل للنقص تبعاً لنقص أجزاء الإنسان وأبعاضه، وأما بالنسبة للمكتسب فإنه يقبل الزيادة، فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، قد يجبل الإنسان على الحلم، وقد يجبل على الغضب، فمن جبل على الغضب وتحلم يكتسب الحلم، كما أن الجاهل إذا تعلم اكتسب العلم، والحافظة يمكن زيادتها بمتابعة الحفظ؛ لأنها إذا أهملت الحافظة ضعفت، وتحتاج إلى شحذ، تحتاج إلى متابعة، فطالب العلم عليه أن يتابع ولا يهمل الحافظة؛ لئلا تدثر وتضعف، الحافظة مع الوقت تضعف، هذا هو القول المقرر عند عامة من كتب في هذا الباب، إلا أن الماوردي يقول في أدب الدنيا والدين أنها لا تختلف الحافظة في أول العمر ولا في أثنائه ولا في آخره، وهذا قول مصادم للواقع.
يقول: إن الموانع من الحفظ تكثر، فيكون صعوبة المحفوظ لوجود الموانع، وإلا فالحافظة هي هي، ما تغيرت وهذا الكلام ليس بصحيح، فالبصر يضعف، والسمع يضعف، الحافظة تضعف، العقل أيضاً يصل الإنسان إلى حد الاختلاط تدريجياً إلى أن يختلط، وهذا دليل مادي حسي على ضعفه.
أما قوله: هل بالإمكان أن يصير الغبي من أهل النظر؟
على كل حال مثل هذا عليه أن يحفظ ما يستطيع، وأن يحرص على فهم ما يحفظ ويقرأ، ولن يدرك إلا ما كتبه الله له.
يقول: أعمل في مدينة جدة، وبإذن المدير أنصرف من العمل بعد صلاة الظهر قبل نهاية الدوام بساعة، فما حكم ذلك علماً بأن في الإدارة موظفين يقومون بالعمل، ولا في ذلك ضرر على مصلحة العمل، ولا مصالح الناس، وذلك لبعد منزلي في مكة المكرمة؟ فهل أتصدق من الراتب عن تلك الساعة؟