"اهدني فيمن هديت" يعني اجعلني من ضمن المهديين الذين مننت عليهم بالهداية، ووفقتهم لقبول ما جاء عنك على لسان نبيك -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الهداية هنا يراد بها هداية التوفيق، أما الدلالة فقد حصلت، الدلالة والإرشاد حصلت، وإن كانت بحسب بلوغها للشخص، حصولها نسبي، لا يمنع أن يقول الإنسان: اللهم اهدني، يعني دلني على ما يخفى عليه مما يكون سبباً لهداية التوفيق، فينضوي في ذلك الهدايتان؛ لأن الدلالة والإرشاد حصلت على أبلغ وجه وأكمله من الله -جل وعلا-، وبلغ الرسول -عليه الصلاة والسلام- ذلك البلاغ المبين، لكن بلوغ هذا المُبلّغ إلى كل فرد فرد من المكلفين يتفاوتون فيه تفاوتاً عظيماً، ولذلك ينبغي لطالب العلم إذا استشكل عليه مسألة وبحثها أن يدعو بالدعاء المأثور في صلاة الليل، ما كان يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك)) يعني دلني على الصواب في هذه المسألة؛ لأنه قد تكون جميع الأدلة بين يدي طالب العلم، قد تكون جميع الأدلة، جميع أدلة المسألة بين يديه، وجميع الأقوال لأهل العلم مبسوطة بين يديه، ومع ذلك لا يستطيع الترجيح، لا لتقصيره، استقصى، بل قد يكون لقصوره، وقد يكون من أذكى الناس وأعرفهم وأعلمهم بالمقدمات الموصلة للنتائج الصحيحة، ومع ذلك يستغلق عليه الوصول إلى القول الراجح في مسألة من المسائل، فهو يطلب الهداية لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فالهداية بجميع أنواعها تدخل في قوله:"اللهم اهدني فيمن هديت".