للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"وروى عن جابر" يعني مسلماً "عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء وهم في الصلاة، فقال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) " رفع البصر إلى السماء خارج الصلاة ما فيه إشكال، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب رفع البصر إلى السماء، والمقصود بذلك خارج الصلاة، وقول الله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(١٧) سورة الغاشية] وسكت، ولكن لو جاء بالآية التي بعدها نعم أصرح في الدلالة على المقصود، فإما أن يقال: إن الإمام البخاري -رحمه الله- على عادته في الاستدلال بالبعيد وترك الظاهر القريب، وإلا في قوله -جل وعلا-: {وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(١٨) سورة الغاشية] دلالة صريحة على المطلوب، والنظر إلى الإبل إما أن يقال: إن البخاري أراد أن تكمل الآية التي بعدها، أو يقال: إن البخاري استدل بالنظر إلى الإبل والحث عليه النظر إلى السماء؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الإبل وهي قائمة ضرورة ينظر إلى السماء، إن الإنسان إذا نظر إلى ما فوقه ينظر إلى السماء، وإن كان نظره الأصلي إلى الإبل إلا أنه ضرورة أن ينظر، من ضرورة نظره إلى الإبل أن ينظر إلى السماء، وهذه يستعملها البخاري كثيراً، يعني يترجم بترجمة فيها نص صحيح صريح قد أورده في موضع آخر ويتركه، ويأتي بأمر بعيد ليشحذ همة طالب العلم إلى جمع طرق الخبر الذي يدل على هذا، أو إلى استيعاب ما في خارج صحيحه مما ليس على شرطه، وتصرفات البخاري في هذا كثيرة، يأتي بالأمر الغريب الأمر البعيد مع أنه بإمكانه أن يأتي بشيء دلالته صريحة وواضحة على المراد، وكل هذا من أجل أن يعتني طالب العلم لأنه إذا بحث عن المطابقة بين الحديث وترجمته وجد فيها بُعد، ثم إذا بحث في الكتب الأخرى وجد ما هو أقرب من ذلك، والبخاري قد يشير إلى رواية من رواية الحديث فيها صراحة، وقد تكون على شرطه، وقد تكون أوردها في موضع آخر، وقد تكون في غير كتابه عند غيره، على شرط غيره، لكنه يريدك أن تبحث في الحديث بجميع طرقه عنده أو عند غيره؛ لتصل إلى مراده.