قال -رحمه الله-: "وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف الركعتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ " هاتان الركعتان هما راتبة الصبح، وهما من الرواتب المؤكدة أكثر من غيرهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرص عليهما ويداوم عليهما سفراً وحضراً، ويذكر عن الحسن البصري القول بوجوبهما، وهما خير من الدنيا وما فيها، لكن مع ذلك هما ركعتان خفيفتان؛ لأنه قد يقول قائل: ما دامت هذان الركعتان خيراً من الدنيا وما فيها لماذا لا نطيلها؟ نطيل هاتين الركعتين ليكون هناك مقابل لهذا الفضل العظيم، نقول: لا، المقابل هو الاقتداء، والعمل إنما يكون تقويمه حسب الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- الاقتداء به.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، ومثلهما تخفيف الركعتين إذا دخل المصلي والإمام يخطب الجمعة يصلي ركعتين وتجوز فيهما يعني خففهما، فهاتان السنتان السنة فيهما التخفيف، وهذا قول عامة أهل العلم، وأن هذا هو المشروع في هاتين الركعتين، والحنفية يرون تطويل هاتين الركعتين، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
مبالغة في التخفيف، لكن مع استيفاء الأركان والواجبات، ليس معنى هذا أن هاتين الركعتين تنقران كنقر الغراب، لا، أو يتساهل في الواجبات أو الأركان ليس هذا معنى التخفيف، وإما التخفيف مع التمام، والإجزاء ولا يكون الإجزاء إلا بفعل الأركان والواجبات.
قد يتخفف من بعض السنن، لكن الأركان والواجبات لا بد من الإتيان بها، ولو اقتضى ذلك شيء من التطويل النسبي؛ لأن الذي يأتي بالأركان والواجبات لا بد أن تستغرق معه وقت، وقولها:"حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ " لا بد من قراءة أم الكتاب؛ لأنها ركن من أركانها، وتردد عائشة في قراءتها إنما هو من باب المبالغة في تخفيف هاتين الركعتين، وبعد ذلك يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص، أو بآية البقرة وآية آل عمران، على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.