تكلمنا عليه وعرفنا المسافة التي بينه وبين مسجده -عليه الصلاة والسلام-، ولا فارق بينه وبين ابن أم مكتوم إلا أنه لا يسمع النداء، وابن أم مكتوم يسمع النداء، فلو قال ابن أم مكتوم: إنه لا يسمع النداء لعذره النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عذر عتبان.
نعم.
في باب أسباب الغسل
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على باب عتبان فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أعجلنا الرجل ... )) إلى آخره، نعم في بني سالم، وحينئذٍ لا يسمع النداء، الحديث رقم (١١١).
عرفنا وجه استدلال من يقول بأن الجماعة سنة من هذا الحديث؟ لأننا نحتاج إلى أن نرجع إليه مرة ثانية؛ لأنه أثبت لمن صلى بمفرده فضلاً، أخذ ذلك من أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل تقتضي أن يكون هناك شيئان اشتركا في وصف وهو الفضل، فاق أحدهما الآخر فيه، من صلى في الجماعة فاق من صلى بمفرده في هذا الفضل، لكنهما اشتركا في الفضل، فكيف يكون له فضل وقد ارتكب محرماً؟ نقول: هذا الإيراد يرد على من يقول باشتراط الجماعة، وأنها لا تصح صلاة الفذ مع قدرته على الجماعة، أما من يقول بالوجوب فلا تعارض بين الوجوب وبين الصحة، فتصح صلاة الفذ مع الإثم، تصح صلاته ويترتب عليها أجرها مع الإثم، أجرها بقدر ما عقل منها، فيها فضل عظيم، لكنه آثم بترك ما أوجب الله عليه.
قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((والذي نفسي بيده)) " الواو واو القسم ((والذي نفسي بيده)) هو الله -جل وعلا-، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كثير من الشراح يقول: روحي في تصرفه، فراراً من إثبات اليد لله -جل وعلا- عند بعضهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، وهو الصادق المصدوق.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حلف في نحو ثمانين موضعاً، وهذا منها.