"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم)) " جاء في الحديث أن بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا إلى جوار المسجد فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) يعني ألزموا دياركم تكتب آثاركم، فأعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى، المكفرات كثرة الخطى إلى المساجد، وكل خطوة حسنة، ويحط بها سيئة، فرق بين من يقدم إلى المسجد من عشر خطوات وبين من يقدم منها إلى المسجد من عشرين أو خمسين أو مائة خطوة، فالأبعد ممشى هو الأعظم أجراً، والأجر على قدر النصب، لكن ليعلم أن الممشى هذا إنما يرتب عليه الأجر إذا احتيج إليه من أجل الصلاة، فالمشقة لذاتها ليست مطلوبة شرعاً، المشقة لذاتها ليست من مطالب الشرع، لكن إذا اقتضتها عبادة ترتب عليها الأجر، وإذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما قريب والثاني بعيد تسلك القريب أو البعيد؟ القريب هذا الأصل؛ لأن سلوكك البعيد ليس من متطلبات الصلاة، وإلا بالإمكان أن يدور الإنسان حول الحي، وبدلاً من أن يصل بعشرين خطوة يصل بألف خطوة، لكن هذا ليس مطلوب، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني، وبالإمكان إذا أراد الحج من نجد يذهب إلى الشرقية ثم يمسك جهة الشرق، ثم الشمال، ثم الغرب ويأتي، وبدلاً من أقل من ألف كيلو يمشي خمسة آلاف كيلو، من أجل الأجر، نقول: ما لك أجر، إلا بقدر ما تتطلبه هذه العبادة من بيتك إلى موضع العبادة، وما زاد على ذلك فليس فيه أجر.
((أبعدهم إليها ممشى)) لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى التي رتب عليه الأجور ((فأبعدهم)) أبعدهم إليها ممشى ثم يليه من دونه، ثم يليه من دونه.