قَالَ القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك من أعتقد أَن السّلف الصَّالح رَضِي الله عَنْهُم نهوا عَن معرفَة الْأُصُول وتجنبوها أَو تغافلوا عَنْهَا وأهملوها فقد اعْتقد فيهم عَجزا وأساء بهم ظنا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل فِي الْعقل وَالدّين عِنْد كل من أنصف من نَفسه أَن الْوَاحِد مِنْهُم يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة الْعَوْل وقضايا الْجد - مِيرَاث - وكمية الْحُدُود وَكَيْفِيَّة الْقصاص بفصول ويباهل عَلَيْهَا ويلاعن ويجافي فِيهَا ويبالغ أَو يذكر على إِزَالَة النَّجَاسَات عشْرين دَلِيلا لنَفسِهِ وللمخالف ويشقق الشّعْر فِي النّظر ثمَّ لَا يعرف ربه الْآمِر خلقه بالتحليل وَالتَّحْرِيم والمكلف عباده للترك والتعظيم
فهيهات أَن يكون ذَلِك وَأَنَّهُمْ أهملوا تَحْرِير أدلته وَإِقْرَار أسئلته وأجوبته فَإِن الله تَعَالَى بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأيده بِالْآيَاتِ الباهرة والمعجزات الْقَاهِرَة حَتَّى أوضح الشَّرِيعَة وَبَينهَا وعلمهم مواقيتها وعينها فَلم يتْرك لَهُم أصلا من الْأُصُول إِلَّا بناه وشيده وَلَا حكما من الْأَحْكَام إِلَّا أوضحه ومهده لقَوْله سُبْحَانَهُ وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إليم ولعلهم يتفكرون فاطمأنت قُلُوب الصَّحَابَة لما عاينوا من عجائب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشاهدوا من صدق التَّنْزِيل ببدائة الْعُقُول والشريعة غضة طريه متداولة بَينهم فِي مواسمهم ومجالسهم يعْرفُونَ التَّوْحِيد مُشَاهدَة بِالْوَحْي وَالسَّمَاع ويتكلمون فِي أَدِلَّة الوحدانية بالطباع مستغنين عَن تَحْرِير أدلتها وتقويم حجتها وعللها كَمَا أَنهم كَانُوا يعْرفُونَ تَفْسِير الْقُرْآن ومعاني الشّعْر وَالْبَيَان وترتيب النَّحْو وَالْعرُوض وفتاوي النَّوَافِل والفروض من غير تَحْرِير الْعلَّة وَلَا تَقْوِيم الْأَدِلَّة
ثمَّ لما انقرضت أيامهم وتغيرت طباع من بعدهمْ وَكَلَامهم وخالطهم أَقوام من غير جنسهم وَطَالَ بالسلف الصَّالح وَالْعرب العرباء عَهدهم وأشكل عَلَيْهِم تَفْسِير الْقُرْآن ومرن عَلَيْهِم غلط اللِّسَان وَكثر المخالفون فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع واضطروا إِلَى جمع الْعرُوض والنحو وتمييز الْمَرَاسِيل من المسانيد والآحاد من التَّوَاتُر وصنفوا التَّفْسِير وَالتَّعْلِيق وبينوا التدقيق وَالتَّحْقِيق وَلم يقل أحد إِن هَذِه كلهَا بدع ظَهرت وَأَنَّهَا محالات جمعت ودونت بل هُوَ الشَّرْع الصَّحِيح والرأي القويم وَكَذَلِكَ هَذِه الطَّائِفَة - يَعْنِي عُلَمَاء التَّوْحِيد - كثر الله عَددهمْ وقوى عَددهمْ بل هَذِه الْعُلُوم أولى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute