أحدهما: أن الله غني عنكم لن يناله شيء من صدقاتكم وإنما الحظ الأوفر لكم في الصدقة فنفعها عائد عليكم لا إليه سبحانه وتعالى فكيف يمن بنفقته ويؤذي مع غنى الله التام عنها وعن كل ما سواه ومع هذا فهو حليم إذ لا يعاجل المنان بالعقوبة وفي ضمن هذا الوعيد والتحذير
والمعنى الثاني: أنه سبحانه وتعالى مع غناه التام من كل وجه فهو الموصوف بالحلم والتجاوز والصفح مع عطائه الواسع وصدقاته العميمة فكيف يؤذي أحدكم بمنه وأذاه مع قلة ما يعطي ونزارته وفقره.
ولكمال غناه استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إذنه إليه ولكمال عظمته وعلوه وسع كرسيه السموات والأرض ولم تسعه أرضه ولا سمواته، ولم تحط به مخلوقاته بل هو العالي على كل شيء وهو بكل شيء محيط ولا تنفد كلماته ولا تبدل ولو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مداداً وأشجار الأرض أقلاماً فكتب بذلك المداد وبتلك الأقلام لنفد المداد وفنيت الأقلام ولم تنفد كلماته إذ هي غير مخلوقة (١)
(١) أسماء الله الحسنى للإمام ابن القيم جمع وترتيب يوسف على وأيمن عبد الرزاق ص ٢٩٦-٣٠١.