للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللازم العقلي: وهو ما لا يمكن للعقل تصور خلاف اللازم كالبياض للأبيض ما دام أبيض، وكالزوجية للأربعة كما سبق

اللازم العرفي: أي أن العقل لا يحكم به إلا بعد ملاحظة الواقع وتكرر مشاهدة اللزوم فيه دون أن يكون لدى العقل ما يقتضي هذا اللزوم.

ونجد هذه الدلالة الالتزامية بنسبة وافرة جداً في الكلام العربي، ونجدها في نصوص القرآن والسنة، وعن طريقها ترتقي البلاغة الكلامية ارتقاءً عظيماً، فمن الكلام العربي قول الشاعر يصف ممدوحه:

طويل النجاد رفيع العماد *** كثير الرماد إذا ما شتا

فقد دل بطول نجاده - وهو حمائل سيفه - على طول قامته، ودل بارتفاع عماده على عظم بيته وارتفاع مكانته، ودلًّ بكثرة رماده على جوده، لأن كثرة الرماد عند العرب تدل على كثرة الطبخ، وهذه تدل على كثرة الآكلين، وكثرة الآكلين عنده تدل على جوده، وكل هذه لوازم عرفية لا عقلية.

ومن الشواهد القرآنية قول الله تعالى في سورة (التغابن ٦٤) :

{وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}

فإن قوله تعالى: {فإن الله غفور رحيم} الواقع في جواب الشرط يدل عن طريق الدلالة الالتزامية على أن الله يغفر لكم ويرحمكم إن أنتم عفوتم وصفحتهم وغفرتم، مع أن هذا المعنى غير مدلول عليه بمنطوق اللفظ

ولكن يلزم من كون الله غفوراً رحيماً أن يكافئ أهل العفو والصفح والمغفرة بالرحمة والغفران ولذلك حصل الاكتفاء في جواب الشرط بذكر هذين الوصفين دون التصريح بلازمهما، ونظير هذا في القرآن الكريم كثير جداً (١)


(١) ضوابط المعرفة للميداني ص٣١

<<  <   >  >>