للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله عليه السلام: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" (١).

قال علي: فيقال، لهؤلاء: ما حملكم على ما ادعيتم؟ فإن قالوا: هو معهود كلام العرب، قلنا: ما هو كذلك، بل معهود كلام العرب الذي لا يجوز غيره - أن " لا " للنفي والتبرئة جملة إلا أن يأتي دليل من نص آخر أو ضرورة حس على خلاف ذلك، ثم هبكم أنه كما قلتم، فإن ذلك حجة لنا، وهو قولنا، لأن كل صلاة لم تكمل ولم تتم فهي باطل كلها، بلا خلاف منا ومنكم.

فإن قالوا: إنما هذا فيما نقص من فرائضها، قلنا: نعم، والوقت من فرائض الصلاة بإجماع منا ومنكم ومن كل مسلم، فهي صلاة تعمد ترك فريضة من فرائضها.

قال علي: ما نعلم، لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم مخالفًا منهم، وهم يشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق أهواءهم، وقد جاء عن عمر،

وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد.

وهؤلاء الحنفيون والمالكيون لا يرون على المرتد قضاء ما خرج وقته.

فهؤلاء من الصحابة رضي الله عنهم أيضا لا يرون على من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها قضاءً.

قال علي: وما جعل الله تعالى عذرا لمن خوطب بالصلاة في تأخيرها عن وقتها بوجه من الوجوه، لا في حال المطاعنة والقتال والخوف وشدة المرض والسفر.

وقال الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} [النساء: ١٠٢]، وقال تعالى: {فإن خفتم فرجالا أو ركبانا} [البقرة: ٢٣٩]، ولم يفسح الله تعالى، ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- في تركها عن وقتها حتى صلاها بطائفتين من إحداهما وجوه، إحدى الطائفتين إلى غير القبلة، على ما نذكر في صلاة الخوف إن شاء الله عز وجل.

ولم يفسح تعالى في تأخيرها عن وقتها للمريض المدنف (٢)، بل أمر إن عجز عن الصلاة قائما أنه يصلي قاعدا، فإن عجز عن القعود فعلى جنب، وبالتيمم إن عجز عن الماء، وبغير تيمم إن عجز عن التراب، فمن أين أجاز من أجاز تعمد تركها حتى يخرج وقتها؟! ثم أمره بأن يصليها بعد الوقت، وأخبره بأنها تجزئه كذلك، من غير قرآن، ولا سنة، لا صحيحة، ولا سقيمة، ولا قول لصاحب، ولا قياس.


(١) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، وقد استوفيت تخريجه في كتابي "حتمية قراءة الفاتحة على الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة الجهرية والسرية وأن له الكفة الراجحة" (ص ٩ - ٣١).
(٢) دَنِفَ المريضُ بالكسر، أي ثقل، وأدنف بالألف مثله، وأدنفه المرض، يتعدى، ولا يتعدى، فهو مُدْنِفٌ ومُدْنَفٌ. "الصحاح" ٤/ ١٣٦١.

<<  <   >  >>