للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنبياء وحي (١) وإنما جعله مصدقا لها بعد أن فعل ما أُمر به.

وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه" (٢).

فجعل التصديق عمل الفرج لا ما يتمنى القلب، والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في أن التصديق لا يصح إلا بالعمل.

وقال الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

وقد روي هذا مرفوعا (٣) والمقصود أنه يمتنع مع التصديق الجازم بوجوب الصلاة والوعد على فعلها، والوعيد على تركها، وبالله التوفيق.

توضيح هذه الأدلة العشرة:

قال محمد تقي الدين: قد أقام الحافظ ابن القيم رحمه الله عشرة أدلة من كتاب الله على كفر تارك الصلاة كسلا مع اعترافه بوجوبها، وسأحاول أن أعيد ذكر هذه الأدلة بعبارة، أرجو أن تكون أسهل على فهم أهل هذا الزمان، وخصوصا العامة، وسألتزم الاختصار.

الدليل الأول: قال تعالى في سورة القلم من الآية ٣٥ إلى الآية ٤٣

{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: ٣٥]، حاصل معنى ما ذكره أن الله قسم الناس إلى مسلمين ومجرمين، وأخبر أن عدله وحكمته يقتضيان إكرام المسلمين في الدنيا والآخرة، وأخبر أن تارك الصلاة ولو صلاة واحدة حتى يخرج وقتها من المجرمين، وأنه يدعى يوم القيامة إلى السجود فإذا أراد أن يسجد صار ظهره طبقة واحدة فعجز عن السجود، وسقط على ظهره، لأنه يدعى إلى السجود في الدنيا فيمتنع منه، ومن كان من المجرمين لا يكون من المسلمين، وليس هناك قِسْم ثالث، فهذا وجه استدلاله رحمه الله.

الدليل الثاني: قوله تعالى في سور المدثر الآية ٣٨ إلى الآية ٤٧، حاصل هذا الدليل أن الله تعالى أخبرنا أن أهل النار يُقال لهم ما الذي أدخلكم جهنم؟

فيخبرون بارتكابهم أربعة ذنوب:

الأول: أنهم لم يكونوا من المصلين.

الثاني: أنهم لم يكونوا يطعمون المسكين.

الثالث: أنهم كانوا يخوضون مع


(١) صحيح موقوفًا - أخرجه ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" ٧/ ٢٤ حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أبو عبد الملك الكرندي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"رؤيا الأنبياء في المنام وحي".
وهذا إسناد ضعيف، أبو عبد الملك الكرندي: لم أجده، ورواية سماك عن عكرمة: مضطربة، وقد رواه عن سعيد بن جبير موقوفا:
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (٤٦٣)، وأحمد بن منيع كما في "المطالب العالية" (٢٨٥١)، والطبري في "التفسير" (١٨٧٧٨) و (١٨٧٧٩)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (١١٣٢٨)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٥٧٦١)، والطبراني ١٢/ (١٢٣٠٢)، والحاكم ٢/ ٤٣١ و ٤/ ٣٩٦ من طريق الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفًا.
وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين" وأقره الذهبي!
وقال في موضع آخر على شرط مسلم، وهو كما قال، فلم يحتج البخاري بسماك.
(٢) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) ضعيف جدا - أخرجه السلمي في "الأربعين" (٧) من طريق محمد بن إسماعيل الصائغ، وابن بشران في "الأمالي" (١٢٢٤) من طريق أبي علي الحسن بن أحمد بن الليث الرازي، وابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" ٢/ ٣٤ من طريق السري بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، ثلاثتهم عن عبد السلام بن صالح، حدثنا يوسف بن عطية، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، والعلم علمان: علم باللسان، وعلم بالقلب، فعلم القلب النافع، وعلم اللسان حجة الله على ابن آدم".
وأخرجه أبو نعيم في "الأربعين على مذهب المتحققين" (٤٣) حدثنا أبو الحسن سهل بن عبد الله التستري، حدثنا الحسين بن إسحاق، حدثنا عبد السلام بن صالح بمكة، حدثنا يوسف بن عطية، حدثنا قتادة، عن أنس به.
ليس فيه الحسن، والحديث مداره بإسناديه على يوسف بن عطية وهو الصفار: متروك الحديث.
وعبد السلام بن صالح هو أبو الصلت الهروي: قال الذهبي: واه شيعي، متهم مع صلاحه.
وأخرجه أحمد في "الزهد" (١٤٨٣)، وابن أبي شيبة ١١/ ٢٢ و ١٣/ ٥٠٤، وفي "الإيمان" (٩٣) من طريق جعفر بن سليمان، قال: حدثنا زكريا، قال: سمعت الحسن، يقول:
"إن الإيمان ليس بالتحلي، ولا بالتمني، إن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل".
وهذا إسناد تالف، زكريا هو ابن حكيم الحبطي البصري، قال الذهبي في "الميزان" ٢/ ٧٢:
"قال علي بن المديني: هالك".
وقال ابن حبان: يروي عن الأثبات ما لا يشبه أحاديثهم حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد.
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (١٠٩٤) من طريق عباس الدوري، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو عبيدة الناجي، عن الحسن به.
وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو عبيدة الناجي: متروك.
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (١٠٩٣)، والبيهقي في "الشعب" (٦٥)، والخطيب في "اقتضاء العلم العمل" (٥٦)، وابن العديم في "بغية الطلب" ١٠/ ٤٣٣٦ من طريق عبيد الله ابن موسى، أخبرنا أبو بشر الحلبي، عن الحسن بأتم منه.
وهذا إسناد جيد، أبو بشر الحلبي: قال الإمام أحمد: ليس به بأس.
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" ٦/ ٢٩٤: صالح.
وذكره ابن حبان في "الثقات" ٧/ ٢٣٩.
وعبيد الله بن موسى هو باذام: ثقة.
فهذه الجملة ثابتة عن الحسن البصري، ولا تصحّ نسبتها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد أشار إلى هذا ابن القيم إذ صدرّه بصيغة التمريض.

<<  <   >  >>