للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: في بيان سر فضل الباقيات الصالحات]

ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام- -رحمه الله- تعالى- في رسالة له مشهورة في العقيدة أجاب فيها على بعض أهل عصره، كُتبت له امتحاناً، ذكرها الإمام تاج الدين السبكي كاملة في طبقات الشافعية الكبرى.

ذكر أن أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين التي سمى بها نفسه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مندرجة في أربع كلمات هن الباقيات الصالحات.

- الكلمة الأولى: قول سبحان الله ومعناها في كلام العرب التنزيه والسلب، فهي مشتملة على سلب النقص والعيب عن ذات الله وصفاته، فما كان من أسمائه سلباً فهو مندرج تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب، والسلام هو الذي سلم من كل آفة.

- الكلمة الثانية: قول الحمد لله وهي مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته فما كان من أسمائه متضمناً للإثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرج تحت الكلمة الثانية، فقد نفينا بقولنا سبحان الله كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه وأثبتنا بالحمد كل كمال عرفناه وكل جلال أدركناه ووراء ما نفيناه وأثبتناه شأن عظيم قد غاب عنا جهلناه، فحققه من جهة الإجمال بقولنا الله أكبر وهيَّ.

- الكلمة الثالثة: بمعنى أنه أجل مما نفيناه وأثبتناه وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناء عليكم أنت كما أثنيت على نفسك" فما كان من أسمائه متضمناً لمدح فوق ما عرفناه وأدركناه كالأعلى والمتعالي فهو مندرج تحت قولنا الله أكبر، فإذا كان في الوجود من هذا شأنه نفينا أن يكون في الوجود من يشاكله أو يناظره فحققنا ذلك بقولنا "لا إله إلا الله" وهي.

- الكلمة الرابعة: فإن الألوهية ترجع إلى استحقاق العبودية ولا يستحق العبودية إلا من اتصف بجميع ما ذكرناه، فما كان من أسمائه متضمناً للجميع على الإجمال كالواحد والأحد وذي الجلال والإكرام فهو مندرج تحت قولنا لا إله إلا الله، وإنما استحق العبودية لما وجب له من أوصاف الجلال ونعوت الكمال الذي لا يصفه الواصفون ولا يعده العادون .. " (١).

ومما سبق يتبين لنا السر في امتياز هذه الكلمات على غيرها، والمقام الكريم الذي تبوأته على سائر أنواع الذكر.

قال الإمام الحافظ المناوي -رحمه الله-: "وإنما هذه الكلمات الأربع أفضل الكلام لأنها تتضمن تنزيهه تعالى عن كل ما يستحيل عليه ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كما له وانفراده لوحدانيته واختصاصه بعظمته وقدمه المفهومين من أكبريته" (٢).


(١) طبقات الشافعية الكبرى (٨/ ٢٢٠)، جزء في الباقيات الصالحات (١/ ٤٤)، مشكاة المصابيح للتبريزي مع شرحها للمباركفوري (٧/ ٨٩٣).
(٢) مشكاة المصابيح للتبريزي مع شرحه مراعاة المفاتيح لأبي الحسن المباركفوري (٧/ ٨٩٣).

<<  <   >  >>