ولا يعقل في الشاهد إرادة إلا ميل القلب إلى جلب ما يحتاج إليه وينفعه ويفتقر فيه إلى ما سواه ودفع ما يضره والله سبحانه كما أخبر عن نفسه المقدسة في حديثه الإلهي" يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني ولن تبلغوا ضري فتضروني" فهو منزه عن الإرادة التي لا تعقل في الشاهد إلا هكذا وكذلك السمع لا يعقل في الشاهد إلا وصول صوت في الصماخ، وذلك لا يكون إلا في أجوف، والله سبحانه أحد صمد منزه عن ذلك: والمعتزلة نفوا الصفات فرارا من التشبيه بالمخلوقات فيقال لهم: أنتم تثبتون الأسماء لله فتسمونه حياً عليما قديرا وهذه الأسماء يسمى بها المخلوق، فيلزم من ذلك التشبيه فقد فررتم من أمر ونفيتم من أجله الصفات، ولكن المحذور لازم لكم فيما تثبتون من الأسماء، فإنه كما يسمى بها الخالق يسمى بها أيضا المخلوق، فكما سمى نفسه عليما، سمى المخلوق عليما، وسمى نفسه سميعا بصيرا، وسمى المخلوق سميعا بصيرا، إلى غير ذلك. ويقال للجهمية: المخلوق يوصف بالخلق كما في قوله سبحانه: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} ويوصف بالفعل كما قوله: {فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كانوا يَفْعَلُونَ} وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ أنهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} والله سبحانه يوصف بالخلق كما في قوله تعالى: {يا أيهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ويوصف بالفعل كما في قوله عز وجل: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وأنتم أيها الجهمية تثبتون كون الله خالقا فاعلا فهل فعله وخلقه سبحانه مثل المخلوق؟ إن قلتم هذا فهذا هو التشبيه وأنتم تفرون منه، وإن قلتم بل فعل الله وخلقه على ما يليق به، وفعل المخلوق وخلقه على ما يناسبه، فيجب أن تقولوا: هذا في سائر الصفات، فالحاصل أن هؤلاء النفاة جميعا لم يستفيدوا من نفيهم إلا تعطيل حقائق النصوص، وأنهم لم يتخلصوا مما ظنوه محذورا، بل هو لازم لهم فيما فروا إليه، بل قد يثبتون ما هو أعظم محذورا- كحال الذين تأولوا نصوص العلو والفوقية والاستواء فرارا من التحيز والحصر- ثم قالوا: هو في