كل مكان بذاته، فنزهوه عن استوائه ومباينته لخلقه وجعلوه في أجواف البيوت والآبار والأواني والأماكن التي يرغب عن ذكرها، فجعلوا نسبته إلى العرش كنسبته إلى أخس مكان، فتعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وقوله" فلابد في آخر الأمر من أن يثبت موجودا واجبا قديما متصفا بصفات تميزه عن غيره" الخ ... معناه أن هؤلاء الذين ينفون شيئا فرارا من محذور، لابد وأن يثبتوا شيئا يمتاز به الخالق عن المخلوق- ككونه سبحانه موجودا قائما بنفسه- وأن وجوده لا يماثل وجود خلقه، وأن قيامه بنفسه لا يماثل قيام المخلوقين بأنفسهم، فإنه سبحانه غني عما سواه، والخلق مفتقرون إليه، فإذا اثبت المعطل هذه الصفات لله قيل له- فيجب أن تقول هذا في سائر الصفات- فالباب واحد، ومهما أثبت من وصف لله فلا بد أن يدل على قدر مشترك بين الخالق والمخلوق، بحيث يتفقان فيه عند الإطلاق، فإنك لابد أن تثبت لله وصفا ككونه شيئا موجودا، فالشيء والوجود يتصف به كل من الخالق والمخلوق، ولولا أننا نفهم قدراً مشتركا بين الخالق والمخلوق في مسمى الشيء والوجود ونحو ذلك لما فهمنا ما خاطبنا الله به، فإن الشيء ضد لا شيء والوجود ضد العدم، كما أن القدرة ضد العجز، والعلم ضد الجهل، وهكذا سائر الصفات، لكننا نعلم أن ما يضاف إلى المخلوق من الأوصاف هو على ما يناسب ذاته ويليق به، وما يضاف إلى الله من حقائق أسمائه ونعوت جلاله هو أعظم مما يخطر ببال إنسان أو يدور في خلده، فالله أعلى من أن يتصور عظمته متصور، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" وقوله عليه الصلاة والسلام " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحد من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك". الحديث.