بحقيقة الإثبات، إذ لا يعقل وجود ذات بدون صفات وكما أن ذات الله لا تماثل ذوات خلقه، فكذلك صفاته لا تماثل صفات خلقه، وكما أن ذاته لا يمكن العلم بكيفيتها، فكذلك صفاته، إذ العلم بكيفية الصفات يستلزم العلم بكيفية الذات ويتفرع عنه، وقوله: فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، يعني كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فإنه سبحانه ذكر ذلك عقب ذكر نعوت كماله وأوصافه فقال: {حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} إلى قوله: {يَذْرؤكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُْ} فهذا الموصوف بهذه الصفات والأفعال، والعلو والعظمة، والحفظ والعزة، والحكمة والملك، والحمد والمغفرة، والرحمة والكلام، والمشيئة، والولاية، وإحياء الموتى، والقدرة التامة الشاملة، والحكم بين عباده، وكونه فاطر السموات والأرض. وهو السميع البصير، هذا هو الذي ليس كمثله شيء، لكثرة نعوته وأوصافه، وأسمائه، وأفعاله، وثبوتها على وجه الكمال، فالمثبت لصفات كماله- هو الذي يصفه بأنه ليس كمثله شيء- وقوله: فإذا قال السائل كيف استوى على العرش؟ قيل له: كما قال ربيعة ومالك وغيرهما" الخ.
معناه إذا سأل مبتدع عن كيفية صفة من الصفات كالاستواء، فإنه يجاب بما أجاب به مالك وربيعة وغيرهما، وهذا الجواب وإن كان مرويا بالنص عن مالك وربيعة، فهو جواب لسائر أئمة السنة وسلف الأمة، وقد ذكر المؤلف هنا نص جواب الإمام مالك، وذكر جواب ربيعة في غير هذا الموضع ومعنى قول مالك الاستواء معلوم، يعني غير مجهول بل هو معلوم باللغة والشرع، فإن معناه اللغوي العلو والاستقرار، وقد صرحت النصوص بفوقية الله سبحانه، واستوائه على عرشه وقوله: الكيف مجهول، معناه إنا لا ندرك كيفية استواء الله بعقولنا وإنما طريق ذلك السمع ولم يرد السمع بذكر الكيفية فوجب الكف عنها وقوله: الإيمان به واجب،