للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف كمال أو مدح، فلا يمدح به أحد ولا يكون كمال، بل هو أنقص النقص، وبين حال المعدوم والممتنع بأنه لا يوصف بمدح ولا كمال، ولذلك يوصف بالعدم المحض.

قوله:

فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنا لإثبات المدح، كقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} إلى قوله: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبين لكمال، أنه الحي القيوم، وكذلك قوله: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي لا يكرثه ولا يثقله وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها، بخلاف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة، فإن هذا نقص في قدرته وعيب في قوته وكذلك قوله: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} فإن نفي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض، وكذلك قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاواتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أيامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} فإن نفي مس اللغوب، الذي هو التعب والإعياء دل على كمال القدرة ونهاية القوة، بخلاف المخلوق الذي يلحقه من التعب والكلال ما يلحقه. وكذلك قوله:} لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ {إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء، ولم ينفي مجرد الرؤية، لأن المعدوم لا يرى، وليس في كونه لا يرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحاً وإنما المدح في كونه لا يحاط به وأن رؤي، كما أنه لا يحاط به وأن علم، فكما انه إذا علم لا يحاط به علما، فكذلك إذا رؤي لا يحاط به رؤية، فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحاً وصفة كمال وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الاحاطة، وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>