للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلالة إذا أعيا وذهبت قوته، وقوله: لا تدركه الأبصار" إنما نفى الإدراك الذي هو الإحاطة كما قاله أكثر العلماء: ولم ينف مجرد الرؤية، معناه أن جمهور العلماء فسروا الإدراك هنا بالإحاطة، فالمنفي هو الإحاطة دون الرؤية فلا تحتاج الآية إلى تخصيص ولا خروج عن الظاهر، فلا نقول معناها أنا لا نراه في الدنيا، أو نقول لا تدركه الأبصار، بل المبصرون، أولا تدركه كلها، بل بعضها ونحو ذلك من الأقوال التي فيها تكلف، فالآية واضحة في نفي إحاطة الأبصار به سبحانه، فإن نفي الرؤية ليس بصفة كمال، وإنما الكمال في إثبات الرؤية، ونفي إدراك الرائي له إدراك إحاطة كما في العلم، فإن نفي العلم به ليس بكمال " وإنما الكمال في إثبات العلم ونفي الإحاطة به علماً، فهو سبحانه لا يحاط به رؤية كما لا يحاط به علماً، فقد دل القرآن الكريم على رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، والأحاديث بها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالسنة، وأما احتجاج النفاة بهذه الآية، فالآية حجة عليهم لا لهم، ولكن ليس كل من رأى شيئا يقال أحاط به رؤية، كما سئل ابن عباس رضي الله عنهما، عن ذلك فقال: ألست ترى السماء؟ قال بلى، قال: هل تحيط بها؟ قال:. ومن رأى جوانب الجيش أو الجبل أو البستان أو المدينة لا يقال أنه أدركها، وإنما يقال أدركها " إذا أحاط بها رؤية، فبين لفظ الرؤية ولفظ الإدراك عموم وخصوص من وجه الله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَان قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إنا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا أن مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} فنفى موسى الإدراك مع إثبات الترائي فعلم أنه قد يكون رؤية بلا إدراك، ومما يبين ما سبق أن الله تعالى ذكر هذه الآية يمدح بها نفسه "سبحانه وتعالى" ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس ذلك صفة مدح له، لأن المعدوم لا يرى، والمعدوم لا يمدح فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه. وقوله: "وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها" يعني أن إثبات الرؤية مع نفي الإحاطة هو القول الصواب، الذي دل عليه الكتاب والسنة، واتفق عليه الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام المعروفون

<<  <  ج: ص:  >  >>