للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخروج، فإذا المتحيز يراد به تارة ما هو داخل العالم وتارة ما هو خارج العالم: فإذا قيل ليس بمتحيز كان معناه ليس بداخل العالم ولا خارجه. وقوله "كما فعل أولئك يعني الجهمية المحضة الذين يسلبون عنه تعالى اتصافه بالنقيضين، فهؤلاء الذين يقولون لا داخل العالم ولا خارجه عن غلاة الجهمية مشبهون بالقرامطة في سلبهم النقيضين، وفي اعتذاراهم الذي يزيد قولهم فساداً: ونختم الكلام على هذه القاعدة بآيتين كريمتين تدل كل منهما على أنه سبحانه متصف بالنفي والإثبات بأوضح عبارة وأصرح دلالة وتدمغ النفاة المعطلين، والمفترين على الله وعلى رسوله بنفي صفات الله ونعوت جلاله بغير دليل، من كاتب أو سنة أو عقل سليم أو فطرة مستقيمة: قال تعالى {رَبُّ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيا} أخبر أنه لا سمي له عقب قول العارفين به: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أيدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كان رَبُّكَ نَسِيا رَبُّ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} فهذا الرب الذي له الجند العظيم ولا يتنزل إلا بأمره وهو المالك لما بين أيديهم وما خلفهم وما بين ذلك، وهو الذي كملت قدرته وسلطانه وملكه، وكمل علمه فلا ينسى شيئاً أبدا، وهو القائم بتدبير السموات والأرض وما بينهما، كما هو الخالق لذلك كله، وهو ربه ومليكه هذا الرب هو الذي لاسمي له، لتفرده بكمال الصفات والأفعال: فأما من لا صفة له ولا فعل ولا حقائق لأسمائه أن هي إلا ألفاظ فارغة من المعاني فالعدم سمي له: قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ذكر سبحانه هذا النفي بعد ذكر أوصافه ونعوت كماله فقال:

{حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مَا فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَاطِرُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأنعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>