للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن الله سبحانه ليس داخلا في شيء من مخلوقاته. وقوله "فإن أردت الأول" يعني إذا أردت بالجهة ما وراء العالم. وقوله "وإن أردت الثاني" يعني إذا أردت بالجهة شيئاً من المخلوقات.

أما لفظ المتحيز فهو في اللغة اسم لما يتحيز إلى غيره يقال هذا لابد أن يحيط به حيز وجودي ولابد أن ينتقل من حيز إلى حيز. قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أو مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} ومعلوم أن الخالق جل جلاله لا يحيط به شيء من مخلوقاته فلا يكون متحيزاً بهذا المعنى اللغوي وأما أهل الكلام فاصطلاحهم في المتحيز أعم من هذا، فيجعلون كل جسم متحيزاً والجسم عندهم ما يشار إليه، فتكون السموات والأرض وما بينها على اصطلاحهم متحيزاً وإن لم يسم ذلك في اللغة.

والحيز تارة يريدون به معنى موجوداً وتارة يريدون به معنى معدوماً. فمن تكلم باصطلاحهم وقال إن الله متحيز بمعنى أحاط به شيء من الموجودات فهذا مخطيء، فهو سبحانه بائن من خلقه، وإذا كان الخالق يائنا عن المخلوق امتنع أن يكون متحيزا بهذا الاعتبار وأن أراد بالحيز معنى عديماً فالأمر العدمي لا شيء، وهو سبحانه بائن من خلقه، فإذا سمي العدم الذي فوق العالم حيزا وقال: يمتنع أن يكون فوق العالم لئلا يكون متحيزاً فهذا معناً باطل، لأنه ليس هناك موجود غبره حتى يكون فيه بل يجب أن يعلم أن العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق تعالى في غاية الصفر كما قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>