ش: هذه جملة معترضة بين المثال المذكور وبين قوله فيما يَأتِي فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان" بين بها المؤلف الفرق بين طريق العلم بالعلو وطريق العلم بالاستواء وأن وصف الجهمية لله بسلب النقيضين مخالف لما جاء في الكتاب والسنة من وصفه سبحانه بالعلو على خلقه واستوائه على عرشه بل قولهم مخالف أيضاً للعقول السليمة والفطر المستقيمة ولا داخل العالم ولا خارجه كما سبق بيان ذلك في القاعدة الأولى.
والمقصود أن علو الله سبحانه فوق جميع مخلوقاته يعلم بطريق العقل الموافق لصريح نصوص الكتاب والسنة. فهو معلوم بالنص كما هو معلوم بالفطرة الضرورية التي يشترك فيها جميع بنى آدم وكل من كان بالله أعرف وله أعبد ودعاؤه له أكثر وقلبه له أذكر، كان علمه الضروري بذلك أقوى وأكمل فالفطرة مكملة بالشريعة المنزلة. فإن الفطرة تعلم الأمر مجملا، والشريعة تفصله وتبينه وتشهد بما لا تستقل الفطرة به.
وأما نفس استوائه على العرش بعد أن خلق السموات والأرض في ستة أيام فقد علم بالسمع الذي جاءت به الرسل كما أخبر الله به في القرآن والتوراة.
وهنا يحسن ذكر الحكاية المشهورة عن الشيخ العارف أبي جعفر الهمداني، لأبي المعالي يقول على المنبر "كان الله ولا عرش" فقال يا أستاذ دعنا من ذكر العرش يعني لأن ذلك إنما جاء في السمع أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا؟ فإنه ما قال عارف قط "يا الله" إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا تلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟ قال فلطم أبو المعالي على رأسه وقال: حيرني الهمداني! حيرني الهمداني ونزل!.