فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش: كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، كقوله:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِه} فيتخيل له أنه إذا كان مستويا على العرش كان محتاجاً إليه، كحاجة المستو على الفلك والأنعام، فلو غرقت السفينة لسقط المستوي عليها ولو عثرت الدابة لخر المستوي عليها.
فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب سبحانه وتعالى. ثم يريد بزعمه أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعود ولا استقرار، ولا يعلم أن مسمى القعود والاستقرار يقال فيه ما يقال في مسمى الاستواء، فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك: فلا فرق بين الاستواء والقعود والاستقرار_ وليس هو بهذا المعنى مستويا ولا مستقراً ولا قاعداً، وإن لم يدخل في مسمى ذلك إلا ما يدخل في مسمى الاستواء فإثبات أحدهما ونفي الآخر تحكم.
ش: يعني أن الجهمية ونحوهم من النفاة لم يفهموا من استواء الله على عرشه إلا كما يثبت للمستوي على ظهر الفلك والدابة من الحاجة والافتقار وسائر اللوازم الباطلة التي يؤدي إليها قياس الخالق للكون بأسره، على المخلوق الضعيف العاجز في كل شئونه. وبناء على هذا الفهم الفاسد قالوا: ليس استواء الله الوارد في النصوص بقعود ور استقرار ولا علو ولا صعود، وإنما هو استيلاء بمعنى الملك والغلبة. ولا يعلمون أنه يقال في مدلول الاستيلاء الذي هو الارتفاع والصعود والاستقرار.
فبقال في مدلوله عندهم مثل ما يقال في مدلوله الحقيقي، من حيث لزوم المحذور وعدم لزومه. فإن كانت الحاجة داخله في الاستيلاء فهي