للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعلوا وجود المخلوقات عين وجود الخالق، مع أنه لا شيء أبعد عن مماثلة شيء، أو أن يكون إياه أو متحدا به، أو حالا فيه من الخالق مع المخلوق.

فمن اشتبه عليه وجود الخالق بوجود المخلوقات كلها، حتى ظنوا وجودها وجوده، فهم أعظم الناس ضلالا من جهة الاشتباه. وذلك أن الموجودات تشترك في مسمى الوجود فرأوا الوجود واحدا ولم يفرقوا بين الواحد بالعين والواحد بالنوع.

ش: يقول المؤلف أن كثيرا من الناس قد وقعوا في حبائل الزيغ والضلال بسبب الاشتباه، حتى آل الأمر. بطائفة من بني آدم تدعي أنها بلغت في توحيد الله غايته، وفي العلم والتحقيق نهايته، أن اشتبه عليهم

وجود رب العالمين بوجود كل موجود، فظنوا أن المخلوق هو عين الخالق مع أنه لا شيء أبعد عن مماثلة شيء من بعد مماثلة الخالق للمخلوق، ولا شيء ابعد من أن يكون متحداً بشيء من بعد اتحاد الخالق بالمخلوق، ولا شيء أبعد من أن يكون حالا في شيء من بعد حلول الخالق في المخلوق. وجهة غلطهم أنه ظنوا أن الوجود شيء واحد غير منقسم، وهؤلاء هم أهل الإلحاد القائلون بوحدة الوجود، وأنه ما ثم موجود قديم خالق وموجود حادث مخلوق، بل وجود هذا العالم هو عين وجود الله وهو حقيقة وجود هذا العالم. فليس عند القوم رب وعبد، ولا مالك ومملوك، ولا راحم ومرحوم، ولا عابد ومعبود، ولا مستعين ومستعان به ولا هاد ولا مهدي، ولا منعم ومنعم عليه، ولا غضبان ومغضوب عليه، بل الرب هو نفس العبد وحقيقته، والمالك هو عين المملوك، والراحم هو عين المرحوم، والعابد هو نفس المعبود، فما سوى ولا غير بوجه مز الوجوه، وإنما الكائنات أجزاء وأبعاض له، بمنزلة أمواج البحر في البحر وآخر البيت من البيت، ومن شعرهم:

<<  <  ج: ص:  >  >>