في قوله سبحانه وتعالى {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} استولى عليه: والتعطيل لغة الاخلاء، يقال جيد عطل- أي خال من الزينة ومعناه هنا جحد الصفات، وإنكار قيامها بذاته سبحانه، ونفي ما دلت عليه من صفات الكمال، وقوله "من غير إلحاد" أي من غير ميل وعدول عن الحق الثابت والإلحاد معناه لغة الميل والعدول عن الشيء، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة، واصطلاحا العدول بأسماء الله وصفاته وآياته عن الحق الثابت، فإن إتباع رسوله وورثته القائمين بسنته لم يصفوه إلا بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، ولم يعدولوا بها عما أنزلت له لفظا ولا معنى، بل أثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مشابهة المخلوقات، فكان إثباتهم بريئاً من التشبيه، وتنزهيهم خاليا من التعطيل، لا كمن شبهه حتى كأنه يعبد صنما أو عطله كأنه يعبد عدماً، فإثبات أوصاف الكمال ونفي المماثلة هي طريقة أتباع الرسل وورثة الأنبياء، بخلاف الذين يلحدون في أسماء الله وآياته ويتأولون نصوص الصفات على غير تأويلها، ويدعون فيها صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح بغير دليل سوى آرائهم الكاسدة وشبههم الفاسدة التي ظنوها بينات وإنما هي في واقع الأمر جهالات وضلالات فتأويلهم لنصوص الصفات حقيقته تحريف كلام الله وكلام رسوله عن مواضعه، وكذب وافتراء على الله وعلى رسوله، فإن التأويل الصحيح هو الذي يوافق ما جاء في الكتاب والسنة، وما خالف ذلك باطل: فإن كل تأويل لم يدل عليه دليل من الكتاب ولا معه قرينة تقتضيه فهذا لا يقصده الهادي المبين بكلامه إذ لو قصده لحف به قرائن تدل على المعنى المخالف لظاهره حتى لا يوقع السامع في اللبس والخطأ: فإن الله أنزل كلامه بياناً وهدى، فإذا أراد به خلاف ظاهره ولم يلحق به قرائن تدل على المعنى الذي يتبادر غيره إلى فهم كل أحد لم يكن بياناً وهدى. فالتأويل إخبار بمراد المتكلم لا إنشاء، فإذا قيل يعنى اللفظ كذا وكذا كان إخبارا بالذي عنى