للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: المعنى أن من لم يعرف أقسام التأويل ولم يميز صحيحها من فاسدها تناقض في أقواله واضطرب في مقالاته، مثل طائفة من الجهمية والمفوضة تقول: أن التأويل باطل وأنه يجب إجراء اللفظ على ظاهره وتقول: التأويل باطل بدليل قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلَّا اللَّهُ} فقد تناقضت هذه الطائفة من جهتين

أولا من جهة قولها ببطلان التأويل مع قولها يجب إجراء اللفظ على ظاهره، فإن الجملة الأولى تعني أنه ليس له معنى مفهوم. والجملة الثانية تعني أن ما يسبق إلى العقل ويتبادر إلى الفهم من اللفظ هو مراد اله بكلامه.

ثانيا: قولهم ببطلان التأويل فإنه يتنافى مع استدلالهم بآية آل عمران فإن الآية الكريمة تبين أن له تأويلا ولكن هذا التأويل لا يعلمه إلا الله وهم ينفون التأويل بجميع معانيه وجهة غلطهم أنهم لم يفهموا تأويل الشيء بمعنى حقيقته وتأويله بمعنى تفسيره وإنما يعرفون التأويل الذي هو صرف النص من مدلوله إلى غير مدلوله بغير دليل يوجب ذلك فظنوا أن قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلَّا اللَّهُ} يراد به هذا المعنى، وهذا غلط فاحش! فإن هذا التأويل من باب تحريف الكلم عن مواضعه، فهو من جس تأويل القرامطة والباطنية وهو التأويل الذي اتفق سلف الآمة وأثمتها على ذمه وصاحوا بأهله من أقطار الأرض ورموا في آثارهم بالشهب وبهذا يتبين أن القول في بعض صفات الله كالقول في سائرها، وأن القول في صفاته كالقول في ذاته فمن نفى النزول والاستواء أو الرضا والغضب أو العلم والقدرة، أو اسم العليم أو القدير، أو الوصف بالوجود، فرارا بزعمه من التشبيه والتركيب والتجسيم لزمه فيما أثبته نظر ما ألزمه لغيره فيما نفاه هو وأثبته المثبت، وكل ما استدل به على نفى النزول والاستواء والرضا والغضب أمكن منازعة أن يتدلى بنظيره على نفى

<<  <  ج: ص:  >  >>