أن يكون ما يختص بالله مماثلا لما يختص بالمخلوق الفقير المحدث. ولو كان الاعتماد في الإثبات يكفي فيه النفي المجرد عن التشبيه، لقيل لمن ينفي أوصاف النقص عن الله ويثبت له أسماءه الحسنى وصفاته العليا دون تفريق بين بعضها والبعض الآخر: ما الفرق بين ما نفيت وبين ما أثبت، مادام أن العمدة في الإثبات هو مجرد نفي التشبيه دون اعتبار آخر؟ وحينئذ فلابد من فارق ثابت بين ما يجوز إثباته لله وما لا يجوز. وأنت خبير بأن الفارق هو ورود الوصف أو عدم وروده، وما يليق بالله وما لا يليق به كما سيأتي.
قوله:
فإن قال: العمدة في الفرق هو السمع فما جاء به السمع أثبته دون ما لم يجئ به السمع. قيل له: أولا: السمع هو خبر الصادق عن ما هو الأمر عليه في نفسه. فما أخبر به الصادق فهو حق من نفي أو إثبات. والخبر دليل على المخبر عنه، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم من عدمه عدم المدلول عليه. فما لم يرد به السمع يجوز أن يكون ثابتا في نفس الأمر وإن لم يرد به السمع إذا لم يكن نفاه. ومعلوم أن السمع لم ينف هذه الأمور بأسمائها الخاصة، فلابد في ذكره ما ينفيها من السمع وإلا فلا يجوز حينئذ نفيها، كما لا يجوز إثباتها. وأيضا فلابد في نفس الأمر من فرق بين ما يثبت له وبين ما ينفى عنه، فإن الأمور المتماثلة في الجواز والوجوب والامتناع يمتنع اختصاص بعضها دون بعض في الجواز والوجوب والامتناع، فلابد من اختصاص المنفي عن المثبت بما يخصه بالنفي ولابد من اختصاص الثابت عن المنفي بما يخصه بالثبوت.
وقد يعبر عن ذلك بأن يقال: لابد من أمر يوجب نفي ما يجب نفيه عن الله كما أنه لابد من أمر يثبت له ما هو ثابت، وإن كان السمع كافيا كان مخبرا عما هو الأمر عليه في نفسه. فما الفرق في نفس الأمر بين هذا وهذا؟. فيقال: كل ما نافى صفات الكمال الثابتة لله فهو منزه عنه، فإن ثبوت أحد