الضدين يستلزم نفي الآخر فإذا علم أنه موجود واجب الوجود بنفسه، وأنه قديم واجب القدم، علم امتناع العدم والحدوث عليه، وعلم أنه غني عما سواه. فالمفتقر إلى ما سواه في بعض ما يحتاج إليه لنفسه ليس هو موجودا بنفسه، بل وجوده بنفسه وبذلك الآخر الذي أعطاه ما تحتاج إليه نفسه. فلا يوجد إلا به وهو سبحانه غني عن كل ما سواه. فكل ما نافى غناه فهو منزه عنه وهو سبحانه قدير فكل ما نافى قدرته وقوته فهو منزه عنه وهو سبحانه حي قيوم فكل ما نافى حياته وقيوميته فهو منزه عنه.
ش: يعني أن المثبت للأسماء والصفات النافي لصفات النقص قد يعترض عليه من يثبت لله أوصافا كالأكل والشرب والعطش والجوع وشبه ذلك من أوصاف لا تليق به، إذا قال المثبت العمدة في هذا الباب على السمع فما ورد في السمع أثبتناه، وما لم يرد به السمع لم يكف في إثباته مجرد نفي التشبيه. إذا قال هذا القول قال له المعترض: السمع هو خبر الله أو خبر رسوله عن ما الأمر عليه في الواقع، فما ورد في الكتاب أو السنة من نفي أو إثبات فهو حق يجب تصديقه دون أن ننفي ما لم ينف كما لم نثبت ما لم يثبت، فإن الدليل دال على المخبر عنه، وحال الدليل أنه لا ينعكس فلا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول. فمثلا: ما لم يرد السمع بنفيه يجوز أن يكون في الواقع ثابتا لله مادام أن السمع لم يرد بنفيه، ومن المعلوم أن النصوص لم تنف الأكل والشرب والبكاء والحزن ونحو ذلك بأسمائها الخاصة بها فلابد والحالة هذه من ورود نفي هذه الصفات بأسمائها وإلا فلا يجوز الحكم بنفيها كما قلتم لنا بأنه لا يجوز إثباتها لله. ويقول المعترض بالإضافة إلى ما سبق لابد من أمر يميز لنا بين الأشياء التي يجوز إثباتها لله وما لا يجوز إثباته، ويميز لنا بين الأشياء التي تنفى عن الله وبين الأشياء التي لا يصح نفيها، فإن الثبوت والنفي متماثلان فيما يجب ويجوز ويمتنع فلابد من فارق يميز الإثبات عن النفي والنفي عن الإثبات وإلا فلا يجوز حينئذ أن ننفي شيئا غير منفي في النص كما لا يجوز أن نثبت شيئا غير وارد