ش: يعني أن العقل السليم يدرك أن الرب الخالق للكون بأسره لا بد أن يكون متصفا بالكمال ومنزها عن النقص، كما أن السمع قد ورد بذلك فيعلم بالضرورة من العقل والسمع أن ذات الله سبحانه ليست كذوات المخلوقين ولا صفاته كصفاتهم فليس كشيء من الموجودات من سماء أو ملائكة أو أبدان آدميين أو أرواحهم أو غير ذلك، ويعلم علما يقينيا أن مباينته لمخلوقاته أعظم من مباينة مخلوق لمخلوق، فإذا كان بعض الموجودات لا يماثل بعضا فالمباينة التي بين الخالق والمخلوق أعظم من ذلك. فإذا انتفت المماثلة بين مخلوق ومخلوق فانتفاؤها بين الخالق والمخلوق بطريق الأولى، والحقيقتان إذا تماثلتا جاز على إحداهما ما يجوز على الأخرى ووجب لها ما وجب لها، فلو تماثل الخالق والمخلوق لجاز على الله ما يجوز على المخلوق من العدم والحدوث والافتقار، ووجب للمخلوق ما يجب للخالق من البقاء والقيومية والغنى المطلق ووجوب الوجود، وحينئذ فيكون كل منهما واجب الوجود ليس واجب الوجود، غني عما سواه غير غني عما سواه، باقيا ليس باقيا وهكذا. وحينئذ فيلزم الجمع بين النقيضين وذلك ممتنع، وبهذا يعلم أن قول المشبه: لله سمع وبصر ويد واستواء كسمعي وبصري ويدي واستوائي ونحو ذلك قول واضح الفساد، حيث يلزم منه أن يجوز على الخالق ما يجوز على المخلوق ويجب له ما يجب له، وليس القصد في هذه الرسالة المختصرة استيعاب طرق النفي والإثبات، فمحل بسط ذلك هو المطولات وإنما المقصود هنا لفت النظر إلى ضوابط وقواعد نافعة مع لفت النظر والتنبيه إلى طرق النفي والإثبات الواجبين لله، وإذا عرف هذا فما أثبته الشرع وجب إثباته وما نفاه وجب نفيه وما سكت عنه فلم يثبته ولم ينفه فإن كان في العقل ما يثبته ككونه وصف كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه أثبتناه ضمن المثل الأعلى وإن كان في العقل ما ينفيه ككونه وصف نقص نفيناه ضمن المثل الأعلى أيضا، وإن لم يكن في العقل ما يثبته ولا ينفيه سكتنا عنه فلم نثبته ولم ننفه والله جل وعلا متصف بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله وهو أعلم بما يستحقه مما علمنا وما لم نعلم من