برسله وكتبه وشرائع دينه من الأمر والنهي والحلال والحرام فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر وأحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، لم يحرم عليهم شيئا من الطيبات كما حرم على اليهود، ولم يحل لهم شيئا من الخبائث كما استحلتها النصارى، ولم يضيق عليهم باب الطهارة والنجاسة، بينما كانت اليهود لا يرون إزالله النجاسة بالماء بل إذا أصابت ثوب أحدهم قرضه بالمقراض، والنصارى ليس عندهم شيء نجس. وكذلك المسلمون وسط في الشريعة فلم يجحدوا شرعة الناسخ لأجل شرعة المنسوخ كما فعلت اليهود، ولا غيروا شيئا من شرعه المحكم، ولا ابتدعوا شرعا لم يأذن به الله كما فعلت النصارى ولا غلوا في الأنبياء والصالحين كغلو النصارى ولا بخسوهم حقوقهم كفعل اليهود ولا جعلوا الخالق سبحانه وتعالى متصفا بخصائص المخلوق ونقائصه ومعايبه من الفقر والبخل والعجز كفعل اليهود ولا المخلوق متصفا بخصائص الخالق سبحانه التي ليس كمثله فيها شيء كفعل النصارى. ولم يستكبروا عن عبادته كفعل اليهود ولا أشركوا بعبادته أحدا كفعل النصارى. وأهل السنة والجماعة في الإسلام كاهل الإسلام في أهل الملل. فهم وسط في باب صفات الله عز وجل بين أهل الجحد والتعطيل وبين أهل التشبيه والتمثيل. يصفون الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تعطيل ولا تمثيل، إثباتا لصفات الكمال وتنزيها له عن أن يكون له فيها أنداد وأمثال.
فالإسلام بهذا المفهوم العام متضمن للانقياد التام والطاعة الكاملة لله وحده دون من سواه، وحينئذ فمن انقاد لغيره وعبده فهو غير مسلم له. بل هو مستكبر عن الاستسلام له وجاحد لألوهيته، كما أن من عبده وعبد غيره مشرك به سواه وغير مستسلم له. وكل من المتكبر عن عبادته والمشرك به غير مسلم. فإن الاستسلام له سبحانه يستلزم عبادته وطاعته وحده لا شريك له،