فهذا حق، وقد علم بالضرورة أنه ليس هناك أحد من بني آدم اعتقد وجود إله قديم لرب العالمين في ذاته سواء كان المعتقد لوجود إله آخر ينسب إليه نوع شركة مع الله في أفعاله أو كان يعتقد أن إلهه ليس له شيء من التدبير، بل غاية ما يقال أن من شبه به أحدا من خلقه فإنما يشبهه به في شيء دون شيء، وأما إن أراد القائل المعنى الباطل من أنه سبحانه غير مستو على عرشه ولا ينزل من السماء الدنيا، ولا يجيء لفصل القضاء يوم القيامة ولا يفعل ما يريد إلى غير ذلك فهو ملحد ضال، ومما هو معلوم بصريح العقل الموافق لصحيح النقل أن الله تبارك وتعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله بل ذلك ممتنع فإنه يلزم منه أن يجوز على مثيله ما يجوز عليه، ويجب له ما يجب له ويمتنع عليه ما يمتنع عليه وهذا جمع بين النقيضين لأنه يكون كل منهما واجب الوجود ليس بواجب الوجود، خالقا ليس بخالق، قديما ليس بقديم إلى غير ذلك، وقد سبقت الإشارة إلى هذا في آخر القاعدة السادسة، كما سبق أيضا القول بأن كل موجودين فلا بد أن يكون بينهما قدر مشترك يشتركان فيه كمدلول الوجود ومدلول القيام بالنفس والذات والعلم والقدرة ونحو ذلك من المعاني العامة المشتركة ويختلفان في أن لكل منهما ما يضاف إليه ويليق به فالخالق وإن اتفق مع المخلوق في أن كلا منهما متصف بالصفات إلا أنهما يختلفان في أن لكل منهما ما يناسبه، أما اتصاف كل منهما بالصفات فليس فيه مماثلة بينهما ولله خصائصه التي اختص بها وللمخلوق خصائصه التي اختص بها فمن ادعى مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه فهو المشبه الممثل، والنوع الثالث سيأتي الكلام عليه في محله قريبا.