للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله سبحانه عنادا وتجاهلا كفرعون فهو أشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع، وقد كان مستيقنا به في الباطن، كما قال موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} وقال تعالى عنه وعن قومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} وما يقربه هؤلاء النظار لا ينازعهم فيه المشركون الذين بعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهم يدعون آلهتهم كما يدعون الله ويسجدون وينسكون لها ويتقربون إليها ثم يقولون إن هذا ليس بشرك وإنما الشرك إذا اعتقدنا أنها هي المدبرة لنا فإذا جعلناها سببا وواسطة لم نكن مشركين. ولكن الكلام هنا مع المقرين بالله مع اتخاذهم آلهة أخرى، فهم إذاً مقرون بأن الله رب كل شيء ومليكه ومع هذا فهم غير موحدين بل هم كفار مشركون، كما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام. وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وقد سبق الشيء الكثير من الآيات والأحاديث المصرحة بذلك.

وقوله غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع فيقولون هو واحد في ذاته لا قسيم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له، معناه: أن هؤلاء المتكلمين يقسمون التوحيد في عرفهم إلى ثلاثة أقسام، أشهرها عندهم توحيد الله بأفعاله ويعبرون عنها بهذه العبارات المجملة فقولهم: (واحد) إن أرادوا به ما أراده الله ورسوله في قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} - وقوله- {هو الله الواحد القهار} ونحو ذلك فهذا حق، وإن أرادوا بالواحد ما تريده الجهمية نفاة الصفات: من أنه ذات مجردة عن الصفات فهذا باطل، فإنهم يدرجون في هذا نفي علوه على خلقه واستوائه على عرشه ونفي ما ينفونه من صفاته ويقولون أن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مركبا منقسما، ومن المعلوم أن من لا صفة له فلا حقيقة له في الخارج وإنما يقدر في الأذهان لا في الأعيان. وقولهم (واحد في صفاته) لا شبيه له إن أرادوا بذلك أنه سبحانه مسمى بالأسماء الحسنى ومتصف بالصفات الكاملة العليا التي لا يماثله فيها أحد

<<  <  ج: ص:  >  >>