والقرامطة فنفوا أسماءه الحسنى، وقالوا: من قال: إن الله عليم قدير عزيز حكيم، فهو مشبه ليس بموحد، وزاد عليهم غلاة القرامطة وقالوا: لا يوصف بالنفي ولا بالإثبات، لأن في كل منهما تشبيها له. وهؤلاء كلهم وقعوا في جنس تشبيه هو شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات والمعدومات والجمادات، فرارا من تشبيههم إياه - بزعمهم - بالأحياء ومعلوم أن هذه الصفات الثابتة لله لا تثبت له على حد ما تثبت لمخلوق أصلا وهو سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله فلا فرق بين إثبات الذات وإثبات الصفات، فإذا لم يكن في إثبات الذات إثبات مماثلة الذوات لذاته لم يكن في إثبات الصفات إثبات مماثلة له في ذلك فصار هؤلاء الجهمية المعطلة يجعلون هذا توحيدا، ويجعلون مقابل ذلك التشبيه ويسمون أنفسهم الموحدين.
ش: يعني أن المعتزلة وأشباههم من أهل التجهم يدخلون نفي أسماء الله وصفاته في مدلول التوحيد عندهم، فيقولون من أثبت لله سمعا أو بصرا أو عزة أو حكمة أو علما أو قدرة، أو قال بأن المؤمنين يرونه سبحانه في الآخرة عيانا بأبصارهم، من أثبت ذلك ونحوه فهو عندهم مشبه مجسم، وقد تبعهم في ذلك الفلاسفة والقرامطة بل زادوا على المعتزلة في عدد إثبات الاسم ولو كان غير دال على صفة وزادوا على بعض الجهمية في إثباتهم الاسم مجازا، وزاد عليهم غلاتهم فقالوا من وصف لله بالإثبات فهو مشبه ومن وصفه بالنفي فهو مشبه. وهؤلاء جميعا قد فروا من التشبيه على زعمهم بالحي المتصف بأوصاف الكمال فوقعوا في شر مما فروا منه، حيث شبهوه بالجماد أو المعدوم أو الممتنع ومن المعلوم أن الله جل وعلا متصف بما له من حقائق الأسماء والصفات على وجه لا يماثل فيه أحد من خلقه البتة، إذ هو سبحانه الكامل في ذاته وصفاته {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وثبوت الصفات هو فرع ثبوت الذات، فكما أن الذات المقدسة ثابتة بحقيقة الإثبات فالأسماء الحسنى والصفات العلى