للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثابتة بحقيقة الإثبات وليست الصفة كالصفة كما أن الموصوف ليس مثل الموصوف. وهؤلاء النفاة قد زعموا أن نفيهم للصفات هو تنزيه الله عن النقص وسموا أنفسهم بالموحدين، وفى واقع الأمر أنهم هم المعطلون الجاحدون المشبهون، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيه، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في (الفقه الكبير) : "لا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شيء من خلقه"، ثم قال بعد ذلك: "وصفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا" وهكذا قول سائر الأئمة، كنعيم بن حماد والشافعي وقد سبق ذكر نموذج من ذلك، فسلف الأمة وأئمة السنة ومن تبعهم بإحسان هم ورثة الرسل وهم الموحدون، أما الجعديون والواصليون وأضرابهم فهم الملحدون المعطلون، وقوله عن النفاة الذين يصفون من قال أن القرآن كلام الله غير مخلوق، بأنه مشبه معناه أن الجهمية من المعتزلة وإخوانهم يقولون بأن كلام الله مخلوق غير منزل، ويستدل على ذلك، بمثل قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ويدخلون كلام الله في عموم (كل) . وقد غلطوا غلطا فاحشا وضلوا ضلالا مبينا فإن القرآن الكريم هو كلام الله وكلامه من صفاته، وصفاته داخلة في مسمى اسمه كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ووجهه، وحينئذ فطرد باطلهم أن تكون جميع صفاته تعالى مخلوقة كالعلم والقدرة والحياة وسائر الصفات، وذلك صريح الكفر فإن علمه شيء وقدرته شيء وحياته شيء فيدخل ذلك في عموم (كل) فيكون مخلوقا، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ولو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره لصح أن يقال للبصير أعمى وللأعمى بصير لأن البصير قد قام وصف العمى بغيره. والأعمى قد قام وصف البصر بغيره، إذا عرف هذا فعموم (كل) في كل موضع بحسبه، ويعرف ذلك بالقرائن ألا ترى إلى قوله تعالى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} فمساكنهم شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح، وذلك لأن المراد في الآية كل شيء يقبل التدمير بالريح عادة واستحق التدمير، وكذا قوله تعالى حكاية عن

<<  <  ج: ص:  >  >>