يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل" معناه: أن البالغ في التوحيد عندهم نهايته هو من يصل إلى هذه الحالة، ومعنى فناء المعرفة في المعروف، اضمحلال معرفته وتلاشيها في معروفه وهو الرب سبحانه بأن يغيب بمعروفه عن معرفته كما يغيب بمشهوده عن شهوده وبمذكوره عن ذكره وبمحبوبه عن حبه وبمخوفه عن خوفه، قال ابن القيم رحمه الله وهذا: لا ريب في إمكانه ووقوعه فإن القلب إذا امتلأ بشيء لم يبق فيه متسع لغيره وأنت ترى الرجل يشاهد محبوبه الذي قد استغرق في حبه بحيث تخلل حبه جميع أجزاء قلبه أو يشاهد المخوف الذي امتلأ قلبه بخوفه فتراه دهشا عن شعوره بحبه أو خوفه، لاستيلاء سلطان المحبوب أو المخوف على قلبه وعدم اتساعه لشهود غيره البتة، لكن هذه حالة نقص لا حالة كمال والكمال وراء ذلك فإنه لا أحد أعظم محبة لله عز وجل من الخليلين عليهما الصلاة والسلام وكانت حالهما أكمل من هذه الحال وشهود العبودية أكمل وأتم وأبلغ من الغيبة عنها بشهود المعبود، فشهود العبودية والمعبود درجة الكمل والغيبة بأحدهما عن الآخر درجة الناقصين فكما أن الغيبة بالعبادة عن المعبود نقص فكذلك الغيبة بالمعبود عن عبادته نقص. فالحق تعالى، مراده من عبده استحضار عبوديته لا الغيبة عنها فكيف يكون قائما بحقيقة العبودية من يقول إياك نعبد ولا شعور له بعبوديته البتة، فإن حقيقة إياك نعبد، علم ومعرفة وقصد وإرادة وعمل، وهذا مستحيل في وادي الفناء" انتهى كلامه رحمه الله، وسيأتي قريبا مزيد بيان لهذا البحث إن شاء الله تعالى.