للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلما، فضلا عن أن يكون وليا لله أو من سادات الأولياء وطائفة من أهل التصوف والمعرفة يقررون هذا التوحيد مع إثبات الصفات، فيفنون في توحيد الربوبية، مع إثبات الخالق للعالم المباين لمخلوقاته، وآخرون يضمون هذا إلى نفي الصفات، فيدخلون في التعطيل مع هذا. وهذا شر من حال كثير من المشركين.

ش: يعني إذا اتضح وتقرر ما سبق من أن أرباب الكلام المثبتين

لمشيئة الله النافذة وقدرته التامة المنتسبين إلى الشريعة إذا تقرر أن غاية التوحيد عندهم هو الإقرار بأن الله هو رب كل شيء ومليكه وكذلك إذا تبين أن أرباب التصوف المدعين التحقيق والمعرفة والزاعمين أنهم بلغوا من التوحيد غايته، إنما حاصل ما عندهم هو الإقرار بربوبية لله الشاملة فليعلم أن هذا هو حقيقة ما أقر به المشركون، ومع ذلك لم يدخلهم هذا الاعتراف في الإسلام بل نعتهم الله بالشرك في غير ما آية من القرآن، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستباح دمائهم. ثم إن طائفة من الصوفية يقرون بأن الله رب كل شيء ومليكه ويثبتون أسماءه الحسنى وصفاته العليا، وطائفة منهم يعترفون بربوبية الله الشاملة، أما أسماء الله وصفاته فيجحدونها. وصنعهم هذا أسوأ حالا من كثير من المشركين فإنهم كانوا يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة. والحاصل أن هؤلاء النظار والمتصوفة المثبتين للصفات منهم والنافين لها غاية ما عندهم من التوحيد: هو الإقرار بأن الله هو خالق الخلق لا خالق لهم غيره ولا رب لهم سواه، أما أن يشرك معه غيره باتخاذ الوسائط ونحو ذلك من أنواع الشرك فذلك عندهم لا يضر مع الإقرار بالربوبية، وإذا كان ذلك حالهم فكيف يستحقون أن يوصفوا بأنهم مسلمون، فضلا عن أن يوصفوا بأنهم من أولياء الله أو من كبار عظمائهم. وقد تقدم الكثير من الأدلة على أن هذا هو عين شرك المشركين، وقوله: "لا سيما إذا غاب العارف عندهم بموجوده عن معرفته ودخل في فناء توحيد الربوبية بحيث

<<  <  ج: ص:  >  >>