للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعبودية على خلقه أجمعين انتهى" فالإله هو الذي تألهه القلوب عبادة واستعانة ومحبة وتعظيما وخوفا ورجاء وإجلالا، ولله عز وجل حق لا يشركه فيه غيره، فلا يعبد إلا الله ولا يدعى إلا الله ولا يخاف إلا الله ولا يطاع إلا الله، وأول ذلك أن لا تجعل مع الله إلها آخر فلا تحب مخلوقا كما تحب الله ولا ترجوه كما ترجو الله ولا تخشاه كما تخشى الله، ومن سوى بين المخلوق والخالق في شيء من ذلك فهو من الذين بربهم يعدلون وقد جعل مع الله إلها آخر وإن كان مع ذلك يعتقد أن الله وحده خلق السماوات والأرض، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله وحده خلق السموات والأرض وكانوا مع ذلك مشركين يجعلون مع الله آلهة أخرى. وقد سبق ذكر جملة من الآيات الدالة على ذلك. فتبين أن جعل هذا التوحيد الذي يقر به المتكلمون هو الغاية لا يخرجهم عن الشرك، فقد كان المشركون يقرون به ومع ذلك وصفهم الله بالشرك، وقاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم فالتوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو أن يعبد الله وحده لا شريك له، وضده الشرك وهو أن يتخذ مع الله آلهة أخرى.

قوله:

وإذا تبين أن غاية ما يقرره هؤلاء النظار- أهل الإثبات- للقدر المنتسبون إلى السنة، إنما هو توحيد الربوبية، وأن الله رب كل شيء ومع هذا فالمشركون كانوا مقرين بذلك مع أنهم مشركون، وكذلك طوائف من أهل التصوف والمنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد، غاية ما عندهم من التوحيد: هو شهود هذا التوحيد، وأن تشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا سيما إذا غاب العارف عندهم بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده وبمعروفه عن معرفته ودخل في فناء توحيد الربوبية، بحيث يفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها.

<<  <  ج: ص:  >  >>