تعالى:{يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} ، وقال تعالى:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} فأخبر انه يفعل بالأسباب، ومن قال أنه يفعل عندها لا بها فقد خالف ما جاء به القرآن، وأنكر ما خلقه الله من القوى والطبائع وهو شبيه بإنكار ما خلقه الله من القوى، التي في الحيوان التي يفعل بها مثل قدرة العبد، كما أن من جعلها هي المبدعة لذلك فقد أشرك بالله، وأضاف فعله إلى غيره، وذلك أنه ما من سبب من الأسباب إلا وهو مفتقر إلى سبب آخر في حصول مسببه، ولابد من عدم مانع يمنع مقتضاه، إذا لم يدفعه الله عنه فليس في الوجود شيء واحد يفعل شيئا إذا شاء إلا الله وحده، قال تعالى:{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ، أي فتعلمون أن خالق الأزواج واحد.
ش: يقول الشيخ: والخلاصة أن مقالة الأصناف الثلاثة هي مما
افتراه أهل الزيغ والإلحاد، أما أهل الإيمان والتوحيد والاستقامة على الشرع فيؤمنون بقدر الله السابق وبما شرعه من شرائع وأن الله خالق كل شيء ولا يكون في ملكه إلا ما يريد وأنه بكل شيء عليم وكل شيء قد أحصاه في إمام مبين، والإيمان بهذا الأصل هو أحد دعائم الإيمان بوحدانية الله وربوبيته الشاملة، ومع الإقرار بما ذكر فأهل الإيمان والتوحيد لا ينكرون ما خلقه الله من الأمور التي جعلها الله سببا في حصول المسببات، وذلك أن الله علم الأشياء على ما هي عليه وقد جعل لها أسبابا بها يعلم أنها تكون فلابد من الأسباب التي قد علمها الله سبحانه وتعالى، فلا ينال العبد شيئا إلا بما قدره الله من جميع الأسباب والله خالق ذلك الشيء وخالق الأسباب، ولهذا قيل:"الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع"، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب بل لابد من تمام الشروط وزوال الموانع وكل ذلك بقضاء الله وقدره، مثال ذلك الكلمات الطيبات من الأذكار المأثورة المعلق عليها جلب المنافع أو دفع المضار فإن الكلمات بمنزلة