الإنسان" انتهى. ووجه اضطرار الإنسان في حياته الدنيا إلى الشرع ليميز به بين ما يضره وما ينفعه: أن الله قد خلقه وركبه على صورة لا تصلح حياتها وبقائها إلا بالغذاء وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله، فله تفكير وهمة وقدرة يستطيع بها على العمل، وحركته وإرادته يحتاج معهما إلى التوجيه السليم فلا يمكن لأحد من بني ادم أن يعيش عيشة هانئة مستقرة إلا باتباعه لشرع الله الذي يعرفه بمصالحه، ويحرضه على هدايته ويأخذ بحجزه عن النار ويدله على طريق النجاة، وليس المعنى أن الشرع إنما يحتاج له المجتمع بشكله العام في فض منازعات العباد وتنظيم أحوالهم من حيث أنه لابد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طبائعهم الحيوانية من العدوان والظلم، بل كل فرد محتاج إلى نور الله وهدايته في تحصيل منافعه ودفع مضاره، ولإضاءة السبيل له حتى يفرق بين ما يصلح شأنه وما يفسده من معاملات وعبادات. فالشرع هو الذي يميز له بين الأمرين، على أن هناك من الأمور التي يحتاج لها الناس في معاشهم ما قد يعرفه الإنسان بمقتضى فطرته التي خلق عليها كمعرفته كيف يبذر وكيف يحصد وكيف يلقح، وكما يعرف الصبي ثدي أمه ويتناول الغذاء منه، ومنها ما قد يعرف عن طريق التجارب والاستدلال بالأقيسة العقلية على حصول النتائج ومنها ما لا يمكن معرفته إلا عن طريق الوحي من كتاب أو سنة، وحينئذ فالإنسان بما جبله الله عليه وما ركبه فيه من طبائع محتاج إلى الأخذ بيده إلى ما ينفعه وحجزه عما يضره فإنه متحرك مريد وحارث وهمام، وحديث أصدق الأسماء حارث وهمام أخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الجثمي ولفظه: "تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام وأقبحها حرب ومرة".