السبيل:"اقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين ولمن أجابهم مبشرين ولمن خالفهم منذرين وجعل مفتاح دعوتهم وزبدة رسالتهم معرفة المعبود سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله إذ على هذه المعرفة تبنى مطالب الرسالة كلها من أولها إلى آخرها" قال في شرح الطحاوية: "ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان أحدهما: تعريف الطريق الموصل إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه. والثاني: تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم، ولهذا سمى الله ما أنزل على رسوله روحا لتوقف الحياة الحقيقية عليه ونورا لتوقف الهداية عليه، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} ، وإذا فشرع الله هو الشفاء من كل داء وهو عدله بين عباده الملائم لأحوالهم في أي زمان وفي أي مكان، والأمم المتناحرة في هذه الأزمان والتي لا تخرج من فتنة إلا لتدخل في مثلها أو تزيد لا نجاة لها من تخبطها وتعثرها إلا بالرجوع إلى نور الله وشرعه وصراطه المستقيم، يقول الأستاذ محمد قطب في كتابه جاهلية القرن العشرين: "لا مخلص للناس من جاهليتهم وضلالهم وحيرتهم، وقلقهم واضطرابهم وتمزق حياتهم وأفكارهم ومشاعرهم إلا بالإسلام ولم يكن للناس مخلص من الجاهلية في تاريخهم كله إلا بالإسلام بمعناه الواسع الشامل الإسلام الذي جاء به نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وقد اكتمل الإسلام في دين الله الأخير:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا} ، وهذا الإسلام في صورته الأخيرة المكتملة: هو العلاج الوحيد لكل جاهليات الأرض ولهذه الجاهلية الحديثة على وجه التخصيص، إن الإسلام هو الذي يعطي الوضع الصحيح لكل ما انحرفت به الجاهلية في التصور والسلوك، في السياسة والاجتماع والاقتصاد، في الأخلاق والفن وعلاقات الجنس وكل شيء في حياة