للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطاعته فمن قدر أن يكون منهم يسَّره للإيمان والطاعة، فمن قال إني داخل الجنة سواء كنت مؤمنا أو كافرا إذا علم أني من أهلها كان مفتريا على الله في ذلك فإن الله إنما علم أنه يدخلها بالإيمان فإذا لم يكن معه إيمان لم يكن هذا هو الذي علم الله أنه يدخل الجنة، بل من لم يكن مؤمنا بل كافرا فإن الله يعلم أنه من أهل النار لا من أهل الجنة، ولهذا أمر الناس بالدعاء والاستعانة بالله وغير ذلك من الأسباب، ومن قال أنا لا أدعو ولا أسأل اتكالا على القدر كان مخطئا أيضا لأن الله جعل الدعاء والسؤال من الأسباب التي ينال بها مغفرته ورحمته وهداه ونصره ورزقه، وإذا قدر للعبد خيرا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء. وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدره بأسباب، يسوق المقادير إلى المواقيت، فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب والله خالق الأسباب والمسببات، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب فإن الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج بل كم من أنزل ولم يولد له بل لابد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر ما يتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع، وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة بل هو سبب ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول لله. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"، أما قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ونحوها من النصوص فهذه (باء السبب) أي بسبب أعمالكم والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم: (باء المقابلة) كما يقال: اشتريت هذا بهذا، فالمعنى ليس العمل عوضا وثمنا كافيا في دخول الجنة بل لابد من عفو الله وفضله ورحمته فبعفوه يمحو السيئات ورحمته يأتي بالخيرات وبفضله يضاعف البركات، وقد سبق آنفا نظير لهذا البحث فيما نقلناه عن الشيخ رحمه الله تعالى، وحينئذ فالإيمان بالقدر أحد دعائم الإيمان فمن لم يؤمن بقدر لله لم يوحد الله، وفي هذا المقام يقول حبر الأمة فيما صح عنه: "القدر نظام التوحيد" يعني قوامه الذي يرتكز عليه، ولما كان الإنسان مضطرا في دروب سيره إلى الله وفي معاشه وفي حياته إلى نور يضيء له

<<  <  ج: ص:  >  >>