{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} ، وفي الصحيح أيضا أنه قيل له:"يا رسول الله أعُلم أهل الجنة من أهل النار؟، فقال: نعم، فقيل له: ففيم العمل؟، قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له"، قال الشيخ في بيان معنى هذا الحديث:"فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله علم أهل الجنة من أهل النار وأنه كتب ذلك ونهاهم أن يتكلوا على هذا الكتاب ويدَعو العمل كما يفعله الملحدون وقال: "كل ميسر لما خلق له" وإن أهل السعادة ميسرون لعمل أهل السعادة وأهل الشقاوة ميسرون لعمل أهل الشقاوة وهذا من أحسن ما يكون من البيان وذلك أن الله سبحانه وتعالى يعلم الأمور على ما هي عليه وقد جعل للأشياء أسبابا تكون بها فيعلم أنها تكون بتلك الأسباب كما يعلم أن هذا يولد له بأن يطأ امرأة فيحبلها، فلو قال هذا إذا علم الله أنه يولد لي فلا حاجة إلى الوطء كان أحمق لأن الله علم أن سيكون بما يقدره من الوطء وكذلك إذا علم أن هذا ينبت له زرع بما يسيقه من الماء ويبذره من الحب، فلو قال إذا علم أن سيكون فلا حاجة إلى بذر كان جاهلا ضالا لأن الله علم أن سيكون بذلك، وكذلك إذا علم الله أن هذا يشبع بالأكل وهذا يروى بالشرب وهذا يموت بالقتل فلابد من الأسباب التي علم الله أن هذه الأمور تكون بها، وكذلك إذا علم أن هذا يكون سعيدا في الآخرة وهذا شقيا في الآخرة، قلنا: ذلك لأنه يعمل بعمل الأشقياء فالله علم أنه يشقى بهذا العمل، فلو قيل هو شقي وإن لم يعمل كان باطلا لأن الله لا يدخل النار أحدا إلا بذنبه كما قال تعالى:{لأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} فأقسم أنه يملؤها من إبليس وأتباعه ومن اتبع إبليس فقد عصى الله تعالى ولا يعاقب الله العبد على ما علم أنه يعمله حتى يعمله، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين: "قال الله أعلم بها كانوا عاملين" يعني أن الله يعلم ما يعملون لو بلغوا، وقد روي أنهم في القيامة يبعث إليهم رسول فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار فيظهر ما علمه فيهم من الطاعة والمعصية، وكذلك الجنة خلقها الله لأهل الإيمان به