يمكن معرفة ذلك بالعقل عند هؤلاء. وقد أشبع الشيخ رحمه لله البحث في هذه المسألة في كثير من كتبه، وبين هناك ما وقع في مسألة التحسين والتقبيح من الخفاء والاشتباه وما وقع فيها من الغلط والنزاع. وقد اتفق الفريقان على أن الحسن والقبح إذا فسرا بكون الفعل نافعا للفاعل ملائما له أو كونه ضارا للفاعل منافرا له أمكن معرفته بالعقل، وهذا حق فإن جميع الأفعال التي أوجبها الله تعالى وندب إليها هي نافعة لفاعليها ومصلحة لهم، وجميع الأفعال التي نهى الله عنها هي ضارة لفاعليها ومفسدة لهم، والحمد والثواب المترتب على طاعة الشارع نافع للفاعل ومصلحة له والذم والعقاب المترتب على معصيته ضار للفاعل ومفسدة له، فالله تعالى عليم حكيم علم بما تتضمنه الأحكام من المصالح فأمر ونهى لعلمه بما في الأمر والنهي والمأمور والمحذور من مصالح العباد ومفاسدهم، وحينئذ فكون الفعل سببا لما يحبه الفاعل ويلتذ به أو سببا لما يبغضه ويؤذيه يُعلم تارة بالعقل وتارة بالشرع وقد يعلم بالشرع والعقل جميعا، لكن معرفة الملائم والمنافر على وجه التفصيل ومعرفة النهاية التي هي نتيجة وثمرة الأفعال من نعيم أو عذاب على وجه التفصيل ومعرفة تفصيل ما شرعه من الشرائع وما أخبر به من حقائق الآخرة وحقائق أسمائه وصفاته معرفة ذلك بالتفصيل لا تمكن إلا عن طريق النصوص وإن كان الناس قد يعرفون ذلك بعقولهم بصفة إجمالية، وهذا التفصيل الذي يحصل به الإيمان بما خبر الله به وورد به النص هو ما عنت آية الشورى وآية سبأ وآية الأنبياء وأمثالهن من النصوص. لكن المعتزلة وأتباعهم أثبتوا حسنا وقبحا لا يعود إلى الفاعل منه حكم يقوم بذاته، إذ عندهم لا يقوم بذاته لا وصف ولا فعل بمعنى أنهم يقولون بالتحسين والتقبيح ويجعلون ذلك صفات ذاتية للفعل لازمة له ولا يجعلون الشرع إلا كاشفا عن تلك الصفات لا سببا لشيء منها، والأشاعرة وأتباعهم يقولون إن الأفعال لم تشتمل على صفات هي أحكام ولا على صفات هي علل للأحكام، بل القادر أمر بأحد المتماثلين دون