الآخر لمحض الإرادة لا لحكمة ولا لرعاية مصلحة في الخلق والأمر، ويقولون إنه يجوز أن يأمر بالشرك وينهى عن عبادته وحده ويجوز أن يأمر بالظلم والفواحش وينهى عن البر والتقوى، وليس المعروف في نفسه معروفا ولا المنكر في نفسه منكرا عندهم، بل إذا قال:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} فإنما يعبر عن ذلك بما يلائم الطبائع وذلك لا يقتضي عندهم كون الرب يحب المعروف ويبغض المنكر، فهذا القول ولوازمه باطل مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والفقهاء مع مخالفته أيضا للمعقول الصريح، فإن الله نزه نفسه عن الفحشاء فقال:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} ، كما نزه نفسه عن التسوية بين الخير والشر فقال:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} ، وقال سبحانه:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ، وقال تعالى:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} ، وعلى قولهم: لا فرق في التسوية بين هؤلاء وهؤلاء وبين تفضيل بعضهم على بعض، وليس تنزيهه عن أحدهما بأولى من تنزيهه عن الآخر، والحاصل أن المعتزلة وأتباعهم زعموا أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع، والأشعرية ونحوهم ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان وأن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع، وهذا معنى قول المؤلف:"ولكن طائفة توهمت أن للحسن والقبح معنى غير هذا وأنه يعلم بالعقل، وقابلتهم طائفة أخرى ظنت أن ما جاء به الشرع من الحسن والقبح يخرج عن هذا فكلا الطائفتين اللتين أثبتتا الحسن والقبح العقليين أوالشرعيين وأخرجتاه عن هذا القسم غلطت"، فالطائفة الأولى هي المعتزلة ومن تبعهم، والطائفة الثانية هي الأشاعرة ومن تبعهم والأولى تفسر الحسن القبح بغير معنى الملائم والمنافر وتعتقد أن ذلك إنما يثبت بالعقل دون الشرع، والثانية نفت الحسن والقبح العقليين وأثبتت الحسن والقبح