للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البطلان كالقولين الماضيين لهاتين الطائفتين في الحسن والقبح، مع أنهم جميعا متفقون على أن الله لا يفعل ما هو قبيح، والأشاعرة وأتباعهم بناء على نفيهم حكمة الله في خلقه وأمره، لم يفرقوا بين ما شاء وبين ما أمر به، بمعنى أنهم لم يميزوا بين ما هو هدى تترتب عليه السعادة ويمدح فاعله ويكون صاحبه من المؤمنين الأبرار، وبين ما هو ضلال يترتب عليه الشقاء، ويكون صاحبه من الكفار أو الفجار، وبناء على قولهم إن الظلم ممتنع على الله وأنه لا يتصور قدرته عليه جعلوا الله غير محمود على ما فعله من الإحسان والرحمة وغير محمود على ما تركه من العقاب والنقمة، وهذا عين قول الجبرية، ولا ريب في شناعة هذا القول وبطلانه فإن الله تعالى هو الذي يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل ويغني ويفقر ويضل ويهدي ويسعد ويشقي، وهو سبحانه حكم عدل لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والمصلحة وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوي بين مختلفين فلا يعاقب إلا من يستحق العقوبة فيضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة ولا يعاقب أهل البر والتقوى، أما المعتزلة ومن تبعهم فلم يثبتوا حكمة تعود إلى الله فيما خلقه وأمر به وإنما أثبتوا حكمة تعود إلى المخلوق فقط، ولم يثبتوا الحسن والقبح بالمعنى الذي يثبته الشرع ويشهد به العقل بل قاسوه على خلقه فيما يحسن ويقبح وجعلوا يوجبون على الله سبحانه ما يوجبون على العبد ويحرمون عليه من جنس ما يحرمون على العبد ويسمون ذلك العدل والحكمة مع قصور عقلهم عن معرفة حكمته وعدله، والحاصل: أنهم قاسوا الله على خلقه بقولهم ما حسن من المخلوق حسن من الخالق وما قبح من المخلوق قبح من الخالق فهم مشبهة الأفعال وهذا باطل كما أن تمثيل الخالق بالمخلوق في الصفات باطل. وقوله: "والآخرون نزهوه بناء على القبح العقلي الذي أثبتوه ولا حقيقة له" يعني أن المعتزلة تقول الكفر والفسوق والعصيان أفعال قبيحة، والله منزه عن فعل القبائح فلا تكون فعلا له، قالوا ولا يمكن إثبات كونه

<<  <  ج: ص:  >  >>