سبحانه عدلا لا يظلم إلا بالقول بأنه لم يرد وجود الكفر والفسوق والعصيان ولا شاءها بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئته وإرادته، كما فعلوه بغير إذنه وأمره وقد رد عليهم سلف الأمة وأئمة السنة بأن الله خالق كل شيء وأنه ماشاء كان وما لم يشأ لم يكن، يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأن العباد لهم مشيئة وقدرة فيفعلون بمشيئتهم وقدرتهم، كما قال تعالى:{كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... الآية} ، وقال تعالى:{إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} ، وقال:{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، فكل شيء واقع بقدرته ومشيئته ولا يكون في ملكه ما لا يريد، وهو سبحانه لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب إلا ما تعلق بالإرادة الدينية المتضمنة لرضاه وقد يريد ما يبغضه ويأباه إرادة كونية تتعلق بما قدره وقضاه وله في جميع خلقه حكمة بالغة، قال الشيخ رحمه الله: الحكمة تتضمن شيئين أحدهما: تعود إليه سبحانه يحبها ويرضاها. الثاني: إلى عباده هي نعمة عليهم يفرحون بها ويتلذذون بها وهذا في المأمورات وفى المخلوقات أما في المأمورات فإنه يحب الطاعة ويرضاها ويفرح بتوبة التائب أعظم فرح، فهو يفرح أعظم مما يفرح الفاقد لزاده وراحلته في الأرض المهلكة إذا وجدها بعد اليأس. كما أنه يغار أعظم من غيرة العباد، وغيرته أن يأتي العبد ما حرم عليه فهو يغار إذا فعل العبد ما نهاه ويفرح إذا تاب ورجع إلى ما أمر به، والطاعة عاقبتها سعادة الدنيا والآخرة وذلك مما يفرح به العبد المطيع فكان فيما أمر الله به من الطاعات عاقبة حميدة تعود إليه وإلى عباده، ففيها حكمة له ورحمة لعباده قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} ، ففي الجهاد عاقبة محمودة للناس في الدنيا