للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التمييز مطلقا، ومن نفى التمييز في هذا المقام مطلقا وعظم هذا المقام فقد غلط في الحقيقة الكونية والدينية قدرا وشرعا، وغلط في خلق الله وفي أمره، حيث ظن وجود هذا ولا وجود له، وحيث ظن أنه ممدوح ولا مدح في عدم التمييز وفقدان العقل والمعرفة.

ش: يقول الشيخ إن من احتج بالقدر وشاهد الربوبية العامة فقطلم يفرق بين المأمور والمحظور والمؤمنين والكافرين وأهل الطاعة وأهل المعصية ولم يفرق بين النبي الصادق والمتنبىء الكاذب وأولياء الله وأعدائه وهكذا سائر الأضداد بل يشهدون وجه الجمع من جهة كون الكل بقضاء الله وقدره وإرادته العامة ولا ريب أن الله تعالى خالق كل شيء ومليكه، والقدر هوقدرة الله وهو المقدر لكل ما هو كائن، لكن هذا لا ينفي حقيقة الأمر والنهي والوعد والوعيد، وأن من الأفعال ما ينفع صاحبه فيحصل له به نعيم ومنها ما يضر صاحبه فيحصل له به عذاب، والجميع سواء من جهة المشيئة والربوبية، لكن هناك فرقا آخر من جهة الحكمة والأوامر الإلهية ونهاية الأمور، وحينئذ فالإنسان لابد أن يجوع ويعطش فلا يسوي بين الخبز والشراب وبين الملح الأجاج والعذب الفرات، بل لابد أن يفرق بينهما ويقول هذا طيب وهذا ليس بطيب، فمن الأمور ما هو ملائم للإنسان نافع له يحصل له به اللذة ومنها ما هو مضاد له ضار يحصل له به الألم وهذا الفرق معلوم بالحس والعقل والشرع، مجمع عليه بين الأولين والآخرين فما دام الإنسان حيا فلابد أن يفرق بين ما ينفعه وينعمه ويسره وبين ما يضره ويشقيه ويؤلمه، وهذا حقيقة الأمر والنهي فإن الله تعالى أمر العباد بما ينفعهم ونهاهم عما يضرهم، فقد بعث الرسل بتكميل الفطرة فأرشدوا الخلق إلى ما ينالون به النعيم في الآخرة وينجون به من العذاب، ومن لم يدرك هذا الفرق فإن كان لسبب أزال عقله هو به معذور، وإلا كان مطالبا بما فعله من الشر وما تركه من الخير، وإذاً فهذا الصنف من الناس مع مخالفتهم ما هو معلوم بالضرورة من الدين فهم مخالفون لما هو معلوم بالضرورة من

<<  <  ج: ص:  >  >>