للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: يقول المؤلف إذا بلغك أن بعض مشائخ الصوفية يعبر بقولهأريد أن لا أريد كقول أبي يزيد الصوفي: أو إن العارف ليس له من نفسه أمر ونحو ذلك من العبارات وذلك كقول الشيخ عبد القادر "علامة فناء إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مرادا قط فلا يكن لك غرض ولا تقف لك حاجة ولا مرام لأنك لا تريد مع إرادة الله سواها"، إذا سمعت هذه العبارات المروية عن بعض فضلاء الصوفية فاعلم أن مقصودهم أن لا يريد المريد شيئا إلا أن يكون مأمورا بإرادته، فقوله: "علامة فناء إرادتك بفعل الله أنك لا تريد مرادا قط" معناه أنك لا تريد مرادا لم تؤمر بإرادته فأما ما أمر الله ورسوله بإرادتك إياه فإرادته إما واجب وإما مستحب وترك إرادة هذا إما معصية وإما نقص. وهكذا قولهم "ينبغي أن يكون الإنسان كالميت بين يدي الغاسل" ليس معناه أن لا تكون له إرادة أصلا وهذا معنى قول المؤلف: "فهذا إنما يمدح منه سقوط إرادته التي لم يؤمر بها، وعدم حظه الذي لم يؤمر بطلبه وأنه كالميت في طلب ما لم يؤمر بطلبه وترك دفع ما لم يؤمر بدفعه"، وحينئذ فلا يجوز حمل كلام المشائخ المستقيمين، على ترك الإرادة مطلقا فإن هذا غلط فاحش، وذلك أن الحي لابد له من إرادة، فإن الإرادة التي يحبها الله ورسوله ويأمر بها أمر إيجاب وأمر استحباب لا يدعها إلا كافر أو عاصي إن كانت واجبة، وإن كانت مستحبة كان تاركها تاركا لما هو خير له، والله تعالى قد وصف الأنبياء والصديقين بهذه الإرادة فقال تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} ، وقال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} ، وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} ، وحينئذ فالله يأمر بإرادته وإرادة ما يأمر به وينهى عن إرادة غيره وإرادة ما نهى عنه، فهما إرادتان إرادة يحبها الله ويرضاها وإرادة لا يحبها الله ولا يرضاها، وأما من اعتقد أنهم فرغوا من الإرادة مطلقا ولم يبق لهم مراد وأن هذا المقام هو أكمل المقامات وأن من قام بهذا فقد قام بالحقيقة القدرية الكونية من اعتقد هذا الاعتقاد أو نسبه

<<  <  ج: ص:  >  >>